لطالما احتل الرجل والمرأة مساحة كبيرة في عالم الأمثال والقصص الشعبية، وفي مسلسل درامي لا ينتهي، تتشابك فيه العلاقات بين الجنسين ضمن إطار مجتمعاتنا التقليدية.
ورغم متعة هذه "الحلقات" إلا أنها قد تؤجج التحيزات وتضيق الأدوار، فالتراث مرآة للمجتمع تعكس آفاته كما بهاءه، ومن أبرز ما يشوبه هو ظلم الإنسان لأخيه الإنسان.
لطالما سجلت الأمثال هذا الواقع المرير بأشكال متنوعة، حتى صار البعض يتغافل عن مضمونها العميق وراء الطرافة والتهريج.
لكن.. ما زلنا نرى ظلال هذه القيود تتسلل إلى تفاصيل حياتنا، كالسحاب تحجب الشمس عنّا، فنسير في نفق لا مخرج منه سوى الاعتراف بهذه المشكلة ومواجهتها.
وبعيداً عن الغوص في بواطن الكتب بحثاً عن المظلوميات الأدبية، نستعرض ببساطة بعض النصوص التي وجدت مكانها على رفوف الخرافات والقيود الاجتماعية التي انعكست سلباً علينا، وباتت مترابطة بخط واحد ممتد مع واقعنا في العالم العربي.
زبيبة وحبة زيتون!
تتعدد قصص ظلم النساء والنساء تحت الظلم طوال التاريخ، لكن ماذا لو كان العنف زبيباً!، أو كنتِ زيتوناً يحتاج للرص بين الفينة والأخرى، هل فكرتي أنه لو كسر لك ضلع سيظهر لك عوضاً عنه 24؟؟ أو أنك جسر يحتاج للترميم، أو أدمغة مئة نساء مثلك لا تساوي دماغ دجاجة واحدة مجنونة، أكاد أجزم أنك رأيتها توصيفات مقيتة، ومعيقة.
لا يستطيع المرء أن يخوض في عالم الأمثال والاقوال الشائعة دون أن يشعر بالصدمة وبالقرف من مقدار التمييز الذي يتصاعد منها، حيث تزخر أقوالنا الشعبية بجمل تحقر المرأة وتحجمها، كما تحفل بخطابات الكراهية والدعوات الصريحة للعنف، لكنها حسب اعتقادهم دليلاً على الحب وأنه من طبيعي جداً أن يؤدبك والدك، محظوظة أنت لأنك تملكين زوجاً أو أخاً وإن كان معنفاً، ودائماً أنت المذنبة لأنك من أغضبتيه، لذا أصمتي وتوقفي عن الشكوى.
وعلى وتر آخر من أوتار الظلم
حب حبيبك ولو كان أسود، بزقي عليه بيلزق أو الرجال متل الطابة كل ما "شطيه" لبعيد بيرجع، الرجال بالبيت رحمة ولو كان فحمة ! هذه الجملة الأخيرة هي ضربة مزدوجة، إذ يقترن التمييز الجنسي هنا بجرعة عالية من العنصرية، لكن الموروث الشعبي هل يظلم الرجل؟
لا يمكن القول بأن الموروث الشعبي يظلم الرجل بشكل عام، فهو يتضمن مجموعة واسعة من القصص والحكايات التي تتناول العديد من الجوانب المختلفة للحياة والعلاقات، ومع ذلك، تحتوي بعض هذه الحكايات على تمييز أو توقعات اجتماعية تقييد الرجال، مثلاً، في بعض الأمثال الشعبية يُصور بدور القوة والشجاعة، ما يفرض عليه مسؤوليات ثقيلة ويضع عليه ضغوطاً اجتماعية، وهذا يمكن أن يكون مسبباً للإجهاد أو القلق للرجال الذين لا يتناسبون مع هذه الصورة المثالية، ثم أنه من قال أن الرجل بارد المشاعر ويمكنك كأنثى السيطرة عليه بإهماله وذله وتحقيره!
مع ذلك، يجب أن نلاحظ أن الموروث الشعبي ليس مجرد تمثيل دقيق للواقع الحالي، فهو يعكس طبيعة المجتمعات التقليدية والقيم والمعتقدات التي سادت في ذلك الزمان، ومع التطور الاجتماعي وتغير القيم، فإن الأدوار والتوقعات المرتبطة بالرجل والمرأة قد تتغير أيضاً.
المرا لو راحت للمريخ آخرتها للطبيخ
قد يسيء هذا الموروث الشعبي للرجال قليلاً، لكن دعوني أخبركم سراً ،هل تعرفون من قرر القيود الاجتماعية هذه؟، مجموعة من الرجال كما في لغتنا ولغات أخرى، لماذا كانوا رجال حصراً؟
لأنهم هم أنفسهم من سبقوهم وقرروا أيضاً أن وظيفة المرأة الطبخ والغسيل والنفخ والحبل، لا وضع القيود، نتحدث عن رصف كلمات وتكوين جمل وأفكار ذات معان ودلالات ذكورية، تشكل جدلاً منفصلاً.
دعابات غير مضحكة !
المرا بنص عقل ومشارك فيه إبليس.
عقربتين على الحيط ولا بنتين بالبيت.
الرجال ما بعيش إلا بالشقة والكفة.
الرجال راس العيلة.
في غالب الأحيان، لا تصدر هذه الأحكام المقيتة عن الرجال حصراً، النساء يكررنها أيضاً باقتناع كبير، لمجرد أنهن نشأن عليها وعلى تصديقها، علاوة على ذلك، فهي لا تستخدم فقط لإثبات نقطة ما أو لتبرير ظلم ارتكب بحقهن ، بل الأنكى أنها تلقى كنكات "بريئة" في السهرات واللقاءات الاجتماعية، بعض النساء أنفسهن يضحكن لدى سماعها، غير مدركات للضرر الذي تتسبب بها لصورتهن الذاتية الجماعية، نعم تضحك المرأة وتهز كتفيها وتسكت، لأن هذه الكلمات في رأيها مجرد قول مأثور، وهي لا تريد أن تبدو نكدية.
بعيداً عن الضجيج، وكل ما هو مصطنع
على الرغم من أن الموروث الشعبي قد يحمل بعض التحديات، إلا أنه ينطوي على قيم وتعاليم، كانت بشكل أو بآخر مرجعية نرتكز عليها.
يمكن أن تلعب الأمثال والحكايات دوراً هاماً في توجيهنا نحو العدالة والتسامح والمساواة، لا أدعي أن كل هذه الأمثال سيئة، لا بل أن بعضها جواهر من البصيرة والحكمة، والنصح.
تتبادر إلى ذهني بعض هذه من التي اعتادت أمي تكرارها على مسامعي :"الصبر مفتاح الفرج" و"التسامح جنة النفوس" و"يا فرعون مين فرعنك؟ ما لقيت حدا يردني".
بعضها ساعدني وعزاني في العديد من المواقف الصعبة، آخرٌ ألهمني كيف أتصرف في أوقات المواجهة، ولكن لهذا السبب على وجه التحديد، أي لأن الأمثال لديها القدرة على التأثير علينا وإلهامنا، ولأنها تنطبع في ذاكرتنا بسهولة، قد يكون ضررهاً ماحقاً وغير قابل للعكس.
جسور الماضي
عندما نتأمل جسور الماضي، نجد أن بعضها لؤلؤة نادرة تزين ثقافاتنا التقليدية وتنقل الحكمة العميقة من جيل إلى آخر، تنسج قصصاً معبرة ورموزاً مشوقة تجعلنا نتأمل في معانيها ونستمد منها العبر، لم تكن مجرد كلمات عابرة، بل رموزاً ملهمة تجسدت في أقوال وأمثال نقشت في أذهاننا.
لكن مع تقدم التكنولوجيا وتغير طبيعة التواصل في عصرنا الحالي، تبدلت قواعد اللعبة تماماً، أصبحت الشبكات الاجتماعية والإنترنت منصة لتبادل الأفكار والتعابير بسرعة هائلة، وبات الفرد متصلاً بالعالم بلمسة واحدة، هذا التواصل السريع والمباشر قد أثر بلا شك على لغتنا وتعبيراتنا.
يميل الناس اليوم إلى الاعتماد على النصائح الشخصية والحكم الفردي، مجهولة المصدر، بدلاً من الوجوه الشهيرة للأمثال الشعبية، يعتقد الكثيرون أنهم قادرون على التفكير الذكي واتخاذ القرارات المناسبة بمفردهم، وبالتالي يرون أنه ليس هناك حاجة للجوء إلى أمثال شعبية قديمة. هذا التحول الثقافي يمكن أن يكون وراء عدم ظهور أمثال جديدة في عصرنا الحالي.
ولكن القمر هنا أقرب
أنا مدركة أن كل مرحلة نمر بها لها مسؤولياتها، وأتمنى لو الدوائر الاجتماعية حولنا تقدر هذه الأولويات حتى لا نجد عبارات جارحة مثل : "عقل مية مرا بعقل دجاجة خوتة" و"شراية العبد ولا تربيته" أو حتى"الرجالة غابت والستات سابت"! مع حلول تأخذ وقتاً ومجهوداً لا نملك أياً منها، دعونا نتذكر قوتنا المضادة، قوتنا على صنع موروث منصف، الموروث نحن، ولكن القيود مقيتة تحمل مفاهيم ضارة بالية ومنقرضة، تستخدم بلا تفكير.
أحياناً، وبكل بساطة لا يتطلب الأمر سوى قول كلمة "لا"، قطعاً لا مصير المرأة ليس إما الرجل وإما القبر! ولا ليست النساء كالسجاد تحتاج "نفضاً"، ولا الضرب ليس زبيباً، بل علقماً مراً، وقوية من تجد بالرجل أمانها، لأنه ليس "مي بالغربال"، لا تكونوا مجرد زوار عاديين، وقودوا رحلة إحداث الفروقات، غيروا لا تتأقلموا، آن الأوان لنكتب حكاياتٍ جديدةً تواكب التحديات التي نواجهها اليوم.
ومَن يدري؟ قد تولد حكاياتٌ جديدةٌ أكثر إشراقاً!
مادة: هديل حسام الدين