عندما تنتقل في بعض الأحياء القديمة أو الضواحي، في شتّى المحافظات السورية ستلاحظ وجود أسراب من الحمام تحوم حول مساحات جغرافية محدّدة، تتداخل فيما بينها، إذا دققت أكثر ستجد من يقود هذه الأسراب من على أسطح المنازل، حاملاً بيده مقلاعاً لرمي الحجارة أو خرقةً سوداء منصوبة على قصبة طويلة، إنّه كشّاش الحمام.
تنتشر تربية الطيور بقصد الهواية أو مصدر للرزق في مناطق عديدة من سورية، حيث تقام “الكشّة” على أسطح الأبنية السكنية، لكنّها زادت في الآونة الأخيرة بشكل ملحوظ نظراً لسوء الأحوال المعيشية، ومع أنّها مرفوضة من أبناء المجتمع إلّا أنّ ممارسيها لا يكترثون لهذا الرفض.
اللّغة المشفّرة:
إن سمعت كلمة كَرَشَ، أو أَلَش، أو سألب، فماذا تفهم منها؟ إنها عبارات من لغة "الكشاشة"، يستخدمونها في أحاديثهم حول الحمام، طبعاً لم ولن تفهم شيئاً منها ما دمت لست كشّاشاً، وللوهلة الأولى قد تظنها شيفرات بينهم".
وحول معاني هذه الكلمات، كَرَشَ وتعني تزاوج، وأَلَش تعني بدّل ريشه، وسألب تعني الشِباك التي يقلبونها على الطيور المراد اصطيادها.
مزاج خاص وهواية:
إنّ المزاج الخاص لمربي الحمام وعشقهم لطيورهم يدفعهم لتربيتها، كمّا بقية الناس الّذين لديهم اهتمامات أخرى، لكنهم يتعرضون للازدراء والتنمر من الأشخاص الذين يصفونهم بالبلطجة والكذب.
ينظرون هؤلاء المربون إلى طيورهم بشغف كبير، يقضون ساعات طويلة أمام الأقفاص أو في بيت الحمام على أسطح منازلهم، ويعتبرون أن يومهم لا يكون هانئاً، إلا بمشاهدة طيورهم، ويتفاخرون بأغلى أنواعها.
وتنقل إحدى المصادر الرسمية عن إحدى المربين قوله: “أنا أعيل أسرة كاملة من بيع طيور الحمام، فما المشكلة في ذلك؟ وهل يسبب هذا أذيةً لأحد؟ أليس أفضل من الجلوس بلا عمل؟”، “تربطني عاطفة قوية مع بعض الطيور، فأحتفظ بها طيلة عمرها ولا أبيعها"، مؤكداً أن أسوأ لحظاته هي أوقات احتضار الطير وموته.
الرفض عند طلب الزواج:
بحسب مربي الطيور، إنّهم يضطرون للتخلي عن طيورهم ونقلهم إلى أماكن أخرى قبل أن يتقدموا للزواج لأن هذه المهنة كفيلة برفض طلبهم من أهل أيّ فتاة، برغم أنّها مصدر رزق للعديد من الشباب في ظلّ الظروف الاقتصادية الصعبة.
ويشبهون أنفسهم بالفلاح الذي يزرع الأرض وينتظر موسم الحصاد، وهم أيضاً ينتظرون تفقيس الفراخ، وخاصةً إذا كانت بمواصفات جمالية مطلوبة من الزبائن لجني الأرباح.
فإنّ هذه المهنة كغيرها لها محاسن في الربح المجني من تربية الطيور ومساوئ من السمعة السيئة التي تلاحقهم كمربين.
مشاجرات وصفير وإزعاج للجيران:
من جانب آخر، يشير الكثير من المواطنين الذين يقطنون مقابل سطح عليه "كشة حمام"، إلى الازعاج الّذي يلحقه الصفير وقذف سرب الحمام بالخضروات لدفعه إلى الارتفاع في التحليق، علاوةً على إصدار عبارات لفظية سيئة وشجارات بين كشاشي الحمام على طير ضائع، كلّ ذلك يجعل الجيران تخاف من أي رد فعل لهم.
ولا يتوانى الكشاش أحياناً عن إصدار الأصوات المختلفة لكي يجعل طيوره تطير، فتارةً يصفّر وتارةً أخرى يضرب على ألواح التنك، ومرّات كثيرة تصل به الأمور إلى إطلاق النار من بندقية صيد، ما يتسبب في إزعاج الحي، بكباره وصغاره.
وجدير بالذكرأن تربية الحيوانات داخل الأبنية السكنية غير مسموحة، وعند حدوث أي مخالفة يتم تنظيم ضبط تربية حيوانات داخل المخطط التنظيمي وإنذار أصحابها بإزالة المخالفة فوراً.
