في اللغة العربية يوجد 38 كلمة تدل على الحب، ولكن بما يخص العلاقة بين الذكر والأنثى فهي 14 مرتبة، فالهوى و"القلب وما يهوى" أولى درجات الحب، وآخرها الهيام أي الجنون والمشاعر اللامنطقية ، وهي نتاج طريق طويل من الحب، قد يصل إلى حد التسليم الروحي والجسدي للشريك، كل هذه المشاعر والمعاني والتفاصيل المجتمعة في حرفين فقط، سقطت في عقل الإنسان وليس كل إنسان.
بداية التشويه مجنون ليلى :
بين الهوى والهيام سقطت تلك المشاعر على اختلافها بين الاشتياق والوجد، ومن منا لا يعلم بقصة قيس وليلى، وممانعة أهل الأخيرة فكرة الزواج، وعلى اختلاف الأسباب في كثير من الروايات إلا أن الفكرة تأتي في الممانعة، وهل رفض الحب شكل من أشكال للتعصب المناطقي والديني، والمعيشي وغيره، وهل كان قيس بحاجة إلى خيمة وحصان عربي أصيل عوضاً عن البيت والسيارة اليوم، لكن في الحقيقة ومنذ ذلك الحين لا قرار للأنثى ولا خيار لها حتى في التعبير عن رأيها، وهنا بيت القصيد، وما وصلنا إليه من فكر وتفكير فأنثى اليوم هي نتاج فكر الأهل يوم أمس.
شاعرات بلا قصيدة :
وتثبيتاً للكلام الأخير حول التعبير عن الحب بالنسبة للأنثى، فقد كان شعراء العصور القديمة يتفننون ويتغنون بالحب، وتنهال الأشعار المعبرة عن الشوق والحزن والحب والانفصال، ولكن من منا سمع أو قرأ شعراً لامرأة توصف حالتها ومشاعرها وحبها للشريك؟
مع العلم أن في تلك الفترة كانت الكلمة هي المؤثرة، ومنها قرأنا وفهمنا مشاعر عنتر لعشيقته عبلة، وعرفنا حالة قيس والمجنون بـ ليلى، وعرفنا بحسب الروايات عذرية الحب بين بثينة وجميل، لكن لماذا ردد كلاً منهم الأشعار ونظم القصائد في وصف الحبيبة، حتى صارت تدرس في التعبير والوصف والشعر والأدب لما تحمله من البلاغة والفصاحة، بينما حرمت الأنثى حتى من التعبير، خوفاً من جلب العار والقتل !.
الحب "الكفر الحلو" :
وتطوراً لنهج ممانعة الأهالي للحب في عقلية الأنثى، ربطه البعض بالدين، وأي دين، دين الإسلام !؟، أليس الإسلام بالرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم والذي قال " إني رزقت حبها" في إشارة للسيدة عائشة رضي الله عنها، حيث كان يفتخر في المجالس وعلى الملأ بحبها، إذاً بمن تقتدون؟
بصرف النظر عن ما هو أعظم من عقولنا، لماذا ارتبط مع الزمن الحب للمرأة بالعار، ولماذا حُلل على الرجل و حُرم على المرأة، فهل يكمن العار بالتعبير عن ما هو أسمى شعور في العالم، أم أن العار في رفض التعبير عن الحب، في إحدى قصص نبي الله موسى عليه السلام، ولا علاقة لها بالأنثى بل بالحب والنية وما يحب الله، حين كان يمشي في جبل وحيداً، رأى راعياً جاثياً على ركبتيه ويداه ممدودتان نحو السماء يصلي، فغمرت كليم الله موسى عليه السلام السعادة، وحين اقترب منه سمع الراعي يقول : "يا لله ماذا تريد، حتى لو أردت أن أذبح لأجلك خروفاً سميناً من قطيعي فلن أتردد، سأشويه وأضع "ليته" في الرز ليصبح طعمه لذيذاً، ثم سأغسل قدميك وأنظف أذنيك، هذا مقدار محبتي لك" في هذه الأثناء صاح موسى عليه السلام وقال له : " توقف أيها الرجل الجاهل، هل تظن أن الله يأكل الأرز، هذه ليست صلاة، هذا كفر محض" حينها اعتذر الراعي ووعد أن يصلي كما يصلي الأتقياء.
وفي تلك الليلة سمع النبي موسى صوتًا، كان صوت الله: "ماذا فعلت يا موسى؟ لقد أنبت الراعي المسكين، ولم تدرك معزتي له، لعله لم يكن يصلي بالطريقة الصحيحة، لكنه مخلص في قوله، إن قلبه صافٍ، ونيته طيبة، إنني راض عنه، قد تكون كلماته لأذنيك بمثابة كفر، لكنها كانت بالنسبة لي كفرًا حلوًا".
من السيف إلى "أنا الزلمة ولازم تاخدي أذني" :
عار الأنثى متأصل، ولم تتغير نظرة المجتمع ولا الأهل بالنسبة لتعبير المرأة عن حبها، وتماشياً مع الدين وهنا أشدد على قول "الدين الخاص بهم" لأن لا الله سبحانه تعالى ولا الرسول صلى الله عليه وسلم رفضا الحب ولا حتى التعبير، وتطور السيف ذو الحد إلى الكلمة، فالمجتمع عزز تعصب الرجل فكرياً ومع الأسف اتباع البعض للدين بغير ما هو عليه أدى إلى تعصب الرجل دينياً، وأضعف الأنثى بكل ما فيها وألبسها ثوب العار بلا أي فعل، وثوب الذل إن خالفت زوجها، حتى كاد الحال أن يصل إلى الاستئذان للدخول إلى الحمام، ولن أتكلم عن الجنس الذي له مقالاً خاصة خوفاً من أخدش حياء أحدهم حالياً، وهنا يشتهي الرجل ما يحب وليس ما تحب، أو حتى يحبا.
للرجل الحرية المطلقة في أن تتزين له زوجته كيفما يشاءان وليس يشاء، وكذلك للمرأة، ولكن لا عيب له في إبداء رأيه في طريقة حياتها وثيابها بما يرضي الطرفان دون التسبب في أذية ولو على مستوى المشاعر لكليهما، ولأن كل شيء في تاريخ الأنثى وما يخصها فرض فرضاً، رأينا الرجل المتعصب دينياً وغريزياً وفكرياً، ماذا لو عبرت المرأة عن مشاعرها ؟ كيف سيكون المجتمع؟ كيف سيكون الرجل ؟
في ختام ما لا ختام له، المرأة ليست للمطبخ فقط، إنما لها كيانها وحياتها وشغفها وحلمها وطموحها وما تسعى له وما يسعى لها، وتذكر أن أول من وقف مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم في نشر الإسلام هي زوجته خديجة رضي الله عنها، هذا لأن وراء كل رجل عظيم امرأة.