مقالات متنوعة

عبق الأنوثة في وجه التحديات

post-img

سلسلة: نبض المدينة المحاصرة    /    الجزء الاول: عبق الأنوثة في وجه التحديات

 

 

دموع الألم تروي الأرض المحاصرة، ويُسمع صوت النساء الفلسطينيات يصدح في كل زاويةٍ من هذا القطاع المنكوب، يعانين بصمتٍ محزن، يتجاهله العالم ويتجاوزه بلا أدنى اكتراث، فقد تحولت قصصهن المأساوية إلى أرقام إحصائية، وأرواحهن المنكوبة تُراهن كما لو كانت لعبةً رخيصة.

 

تحت وطأة الاحتلال الصهيوني القاسي، يتعرضن النساء الفلسطينيات لمشاهد مروعة يتخللها صراخ الألم ودموع اليأس، يُفرض عليهن قيودٌ قاسية، تحول حياتهن إلى سجنٍ مفتوح، حيث يُحرمن من الحرية والحق في التنقل والوصول إلى الخدمات الأساسية، القلوب المتعطشة للأمل تنزف، والأرواح المنهكة تتساءل عن مصيرها في هذا الواقع المرير.

 

وسط هذا الظلام العميق، يفترس العنف الجسدي والنفسي النساء الفلسطينيات، تصبح أجسادهن ومشاعرهن مسرحاً للتعذيب والاعتداءات الوحشية، يتعرضنّ للتحرش والاغتصاب والتعذيب بلا رحمة، ممّا يتسبب في آلام جسدية تتجاوز حدود الوصف وجروح نفسيّة تترك علامات لا تُمحى على أرواحهن المحطمة.

 

الوحشية المخفية برواية شهود الظلام

في الثاني عشر من أغسطس/آب عام 1949، وفي موقع "نيريم" الإسرائيلي العسكري، والواقع في صحراء النقب، احتجزت كتيبة من جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي فتاة فلسطينية صغيرة بعد قتل عائلتها، واغتصبوها عدّة مرات، قبل أن يقتلوها في نهاية الأمر، ويدفنوها في الصحراء على عمق أقل من ذراع، ليتحول موقع دفنها إلى واحد من الأماكن الأساسية التي بُنيت فوقها "دولة إسرائيل".

 

لوحةٌ مرسمة ببؤس الحقائق وحزن الواقع، تُعيدنا لسياق رحلة تاريخية تنبض بالاعتداءات المروعة التي تعاني منها النساء الفلسطينيات، وتتجلّى فيها آثار العنف والظلم المستمر حتّى يومنا هذا.

وفي هذا الصدد كشف تقرير جديد للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان عن شهاداتٍ مؤلمة حول تعرض معتقلات من قطاع غزة للتعذيب الوحشي، بما فيه التحرش الجنسي والتعرية والتهديد باغتصاب عائلاتهن.

 

وتلقى المرصد شهادات من المعتقلات المفرج عنهن حديثاً، تحدثت خلالها الناجيات عن جرائم وانتهاكات قاسية مارسها جنود الاحتلال الصهيوني ضدهن، إذ تعرضن لأساليب تعذيب وحشية وانتقامية، شملت الضرب وإطلاق الكلاب تجاههن، وشبحهنّ لساعات طويلة، وتعريتهن من ملابسهن بشكلٍ كامل، ووضع أيديهم على أعضاء خاصة، وإجبارهن على التعري وخلع الحجاب، والتحرش الجسدي من الجنود والمجندات بالإضافة إلى حرمانهن من الطعام والذهاب لدورات المياه.

 

 

وجدير بالذكر بأنه خلال شهر كانون الأول والثاني نُشرت عدة مقاطع وصور لمعتقلين/معتقلات من غزة يُنقلون في شاحنات وهم عراة ومعصوبي الأعين، كما تواترت بعد ذلك الصور التي تثبت استخدام الاحتلال لأدوات الاعتداء الجنسي والإذلال الجسدي كأساليب تعذيب.

 

وفيما يخص رصد العدد الدقيق للمعتقلات من قطاع غزة، لا توجد معلومات كافية عن عددهنّ، سوى ما أعلنته إسرائيل مؤخراً بأن عدد المعتقلين يبلغ 2300، من بينهم نساء، بينما تشير التقديرات إلى ان العدد من واقع الشهادات المفرج عنهن أكبر بكثير من ذلك، وقد يصل إلى عدة آلاف.

 

نرى بوضوح تواتر الشهادات والصور التي تثبت وحشية هذا الكيان، وتلذذه بإخضاع نساء غزة وإذلالهن، وكأنه لا يكفيه كل ذلك القصف الوحشي بل يعمد لأساليب إرهابية مثل التعذيب والاعتداء الجنسي كسلاح حرب من جنود الاحتلال ضد المعتقلات.

 

حيضٌ مكبوت

تواجه الفتيات والنساء الفلسطينيات في قطاع غزة ظروفاً "مهينة" خلال الدورة الشهرية بعد شهرين على الحرب، ويجدن أنفسهن مضطرات للاستعاضة بقطع من القماش أو الحفاضات مكان الفوط الصحية.

 

ومنذ اندلاع الحرب قبل 4 شهور، يواجه الفلسطينيون نقصاً شديداً في الغذاء والمياه وحتى مستلزمات النظافة الشخصية في رفح جنوب القطاع، التي فر إليها 1,9 مليون نسمة.

 

تقوم الكثر من اللاجئات الفلسطينيات اللواتي غادرن مخيماتهن نتيجة العدوان الإسرائيلي، بتمزيق ملابس أطفالهن أو أي قطع قماش يجدهنّ لاستخدامها كفوط وقت حلول الدورة الشهرية، حتّى أنّه وصل الأمر بهم لتمزيق قماش الخيم الّتي يقطنّ بها.

 

وهذا ما سبّب تسلخات والتهابات جلدية للكثير من النساء، وما فاقم الفاجعة أنّ تلك الالتهابات بحاجة لأدوية ومراهم علاج لا يمكن الحصول عليها، حتّى إن وصولها إلى هؤلاء النساء صعب.

 

تصطف النساء في طوابير طويلة بانتظار استخدام الحمامات في المخيمات، بينما الذباب في كلّ مكان، وروائح كريهة تنبعث من المراحيض، إنّه مكان تنعدم فيه أبسط المقومات الإنسانية، لا يوجد أمان ولا غذاء أو ماء ونظافة وتغيب الفوط النسائية، كما وماء الاستحمام.

 

وتضاعفت الطلبات على وسائل منع الحمل، لأن النساء لم يعدن يرغبن في حلول الدورة الشهرية، وهذه الحبوب تعمل على تأخيرها أو منعها، يتزامن ذلك مع عيشهن  في مرافق مكتظة، تشهد نقصاً في أدوات الاستحمام إذ لا يوجد سوى "دش" واحد لـ 700 شخص ومرحاض واحد لـ 150 شخصاً.

 

أرواح مفقودة

في زاوية مظلمة من البؤس، أرواح بريئة مفقودة بلا معنى، آمال وأحلام محطمة في لحظات، مأساة لا يمكن تصورها، خطتها أقلام الاحتلال الصهيوني.

 

تتقاطع القصص الإنسانية مع ألم الحرب وصراع الاحتلال، تتجلى فيها حكايات البسطاء وعزمهم على البقاء رغم الجحيم الذي يحيط بهم.

 

هنا، حيث تتربع الشجاعة والصمود على عرش الواقع، تعيش نساء غزة في مواجهةٍ مستمرة مع التهديدات المتعددة التي تحاك ضدهن، يظهرن كمصباحٍ منير في الظلمة، يقاومن بكل قوة وإصرار الجفاف الذي يحاصر حياتهن.

 

بين جدران مستشفيات غزة، تصارع النساء من كل جانب للحفاظ على حياة أجنتهن، ولكن الظروف القاسية ونقص الرعاية الصحية يجعل الصراع أشد قسوة.

 

ما لا يقل عن 50.000 إمرأة في غزة كن حوامل، تعرضن للإجهاض غير القصدي أو دخلن في المخاض المبكر أو توفيّن أثناء الولادة.

 

وفي ظل الحرب الصهيونية الهمجية التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول، أصبحت النساء الحوامل عرضة لمخاطر جسيمة للغاية، ففي هذا السياق أفادت التقارير الطبية بارتفاع نسبة الإجهاض بنسبة تصل إلى 300%.

 

ومقابل هذه الظروف القاسية، تجد النساء الحوامل نفسهن مضطرات لإجراء العمليات القيصرية بدون الرعاية الطبية الأساسية، وسط غياب التخدير ومستلزمات التعقيم ما يجعلهن عرضة للعدوى والنزيف والالتهابات بشكل خطير، الأمر الّذي انعكس على معدلات الوفيات بين الأمهات بشكل ملحوظ.

 

يواجهن نقص الموارد وغياب الرعاية الطبية، إذ يجدن أنفسهن في معركة من أجل البقاء. قليلات هنّ اللاتي يمتلكن القدرة على الوصول إلى الرعاية الطبية قبل أو بعد الولادة، بينما تجد الكثيرات نفسهن محاصرات في ملاجئ مكتظة، مجبرات على مواجهة الصعاب بمفردهن.

 

بين أنقاض الروح:

في قلب غزة المنكوبة، تتراقص أرواحهن المنكسرة في مسرح الدمار، وتتلاشى أحلامهن في شظايا القصف الإسرائيلي الذي لا يعرف الرحمة.

 

تحمل نساء القطاع المحاصر عبئاً يستعصي على أي إنسان تخيله، عبءٌ لا يتسع له قلب، يتأرجحن بين حالة الصدمة والفقدان، فقد انتزعت الحرب منهن أحباءهن في لحظة غير متوقعة، وتتلاشت الضحكات البريئة، فالاعتقالات التعسفية والاستهدافات المباشرة للصهاينة تترك ندوباً عميقة في أرواحهن وتزيد من حملهن المزدوج كأمهات ومعيلات لأسرهن.

 

في تلك الأوقات العصيبة، تتعرض نساء غزة لتجارب صعبة تترك أثراً عميقاً في أعماقهم، تعبير "الصدمة" يصبح مجرد كلمة ليس بمقدورها وصف الحقائق، تتمزق قلوبهن وتتلاشى أحلامهن وتنكسر آمالهن تحت وطأة الدمار والفقدان.

 

يمتد الأثر النفسي لهذا العدوان الوحشي ليرمي بظلاله على جوانب آخرى، وتضيف الظروف القاسية لمسة من القسوة العارمة، فالمأوى ينهار والمأكل ينضب، المنازل المدمرة والملاجئ المتهالكة تعكس حالة الفوضى والتشرد التي يمرون بها، يعيشون في حالة من العراء والخوف المستمر.

 

مادة: هديل حسام الدين - راما علبه

 

مقالات ذات صلة

داما بلاتفورم :

هي رحلة تتجاوز من خلالها الحدود التقليدية للإعلام ، منصتنا الرقمية التفاعلية تُقدم لك برامج متنوعة ومحتوى جريء يُلهم الأجيال الشابة ويستثمر في التحول الرقمي الإعلامي .

 

اكتشف معنا :

محتوى مُبتكر يُقدمه متخصصون في مختلف المجالات الإعلامية ، تجربة مستخدم فريدة تلائم تفضيلاتك.

 

لا تفوت الفرصة لتكون جزءًا من هذه المنصة الرائدة! انضم إلينا الآن وكن على تواصل مع العالم من خلال "داما بلاتفورم".