مقالات متنوعة

الشيزوفيرينيا الإسرئيلية

post-img

أن تقتل قتيلاً، وتتبختر في جنازته، والأفظع أن تكون حاضراً تلك الجنازة وأنت على مرأى من جميع من كانوا شهوداً على جريمتك ، ومن ثم تتنقل بينهم دون خوف أو من دون أن يرفّ لك جفن..

من أين لك هذه الثقة ؟ ، أيعقل أن تبيع ضميرك لدرجة تجعلك تحلّل فعلتك وتضع لها الحجج والمبررات؟

هذا ما فعله الاحتلال الإسرائيلي حين أدانته محكمة العدل الدولية ورفعت حكومة جنوب إفريقيا قضية ضده في العاشر من الشهر الجاري وضد إبادته الجماعية بحقّ الفلسطينيين.

 

فأثناء قراءته اكتشف أن ترتيب الأوراق قد تغير، وشخص آخر من فريقه نسي أوراقه أصلاً، حالة من الارتباك سادت في أروقة العدل الدولية أثناء محاولة محامي الدفاع الإسرائيلي تلميع صورة الكيان الإسرائيلي وتبرير عدوانه وجرائمه بحجج واهية لا تمت للواقع بصلة.‍

والصغير إن حضر المرافعة يدرك تماماً مقدار الانفصام بين التبريرات الضعيفة للكيان والواقع الأليم الذي يشهده القطاع.

 

أصر الفريق القانوني الإسرائيلي على أن الهدف العسكري هو القضاء على التهديد الوجودي الذي يشكله مقاتلو المقاومة الفلسطينية، ونفى الفريق أن تكون الغاية من هذا العدوان هي إبادة الشعب الفلسطيني، لكن الصورة الحقيقية بعيداً عن هذه المرافعات، حيث أن الانتهاكات الإسرائيلية أسفرت عن استشهاد آلاف الفلسطينيين.

وبالأرقام، قُتل قرابة 25 ألف فلسطيني في غضون ثلاثة أشهر ونيّف، وفُقد أكثر 10,000 آخرون تحت الأنقاض، يُرجّحُ أنهم قُتلوا هم أيضاً، فضلاً عن التصاعد المروع في الخطاب العنصري والذي يجرد الفلسطينيين من إنسانيتهم من قبل بعض المسؤولين الحكوميين والعسكريين الإسرائيليين.

 

 كل هذا مقترن بفرض إسرائيل حصاراً غير قانوني على غزة، ممّا أدى إلى منع و تقييد وصول السكان المدنيين بشدة إلى المياه والغذاء والمساعدات الطبية والوقود، يُلحِق مستويات لا يمكن تخيلها من المعاناة ويعرّض بقاء الموجودين داخل غزة للخطر، والغاية ليست إبادة؟!

 

وفي سياق متصل للمحاكمة، أفاد محامي الدفاع الإسرائيلي أمام المحكمة أن "الجيش" الإسرائيلي يبذل جهوداً كبيرة لتخفيف الأضرار التي لحقت بالمدنيين، بعضها يتجاوز متطلبات القانون الدولي، فيما تنفي قناة عبرية هذه المزاعم، إذ أوضحت في وقت سابق أن  إسرائيل تدرس إخفاء أسماء ضباطها خشية ملاحقتهم من قبل القضاء الدولي، فماذا يحصل؟

 

يبدو أن "الدولة" الإسرائيلية نست في خضم الحرب والإهانات التي طالتها تنظيم صفوفها وتوحيد خطابها.

وحول مزاعم المحامي بأن إسرائيل تسعى لتخفيف الأضرار التي لحقت بالمدنيين، فإن الفلسطينيين في غزة يُقتلون إذا فشلوا في الإخلاء وفي الأماكن التي فروا إليها، وحتى أثناء محاولتهم الفرار على طول الطرق الآمنة التي أعلن عنها الاحتلال.

 

وإن مستوى القتل الإسرائيلي واسع النطاق لدرجة أنه لا يوجد مكان آمن في القطاع المنكوب، والتدمير يتجاوز أي مبرر قانوني مقبول، ناهيك عن أي مبرر إنساني.

 

وأظهرت عدّة فيديوهات تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي بأن جنوداً إسرائيليين يقومون بتفجير مبان سكنية وساحات البلدات بأكملها، ويرفعون العلم الإسرائيلي فوق الحطام، سعياً إلى إعادة إنشاء مستوطناتهم على أنقاض المنازل، وبالتالي تدمير أساس أي حياة للفلسطينيين في غزة.

 

لكنّ إسرائيل ما زالت ترفض بشدة هذا الاتهام، ووصفّه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأنه "اتهام كاذب"، فإمّا يعانون من أمراض نفسية أفقدتهم التركيز بين الواقع والخيال، أو إنّه للإبادة تعريف آخر في قاموسهم، لكنّ المصيبة هنا كبيرة فإذا كان ما يحصل الآن في القطاع ليس إبادة، فالإبادة الحقيقة كيف ستكون؟!

 

لم تنتهِ المهزلة بعد، فالرئيس الإسرائيلي "إسحاق هرتزوغ"، صرّح في وقت سابق بأنّ بلاده ستعرض قضية "استخدام الدفاع عن النفس" لإظهار أنها تبذل "أقصى ما في وسعها" في ظل "ظروف معقدة للغاية" لتجنب سقوط ضحايا من المدنيين في غزة.

 

لكنّ "إسرائيل" وفي خرق لجميع الأعراف والقوانين الدولية، تقصف كل شيء، وتدمر كل شيء لتشفي غليلها بدماء الرضع والجرحى الذين لم تنجح بقتلهم تحت أسقف بيوتهم المتهدمة من جراء صواريخها وقنابلها.

 

وفي واحدة من أقسى المجازر التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق أهل فلسطين، قصفت طائرات إسرائيلية، مشفى المعمداني في مدينة غزة في 18 تشرين الأول الماضي، ما أدى لاستشهاد المئات من المدنيين معظمهم من الأطفال والنساء، وسط ضوء أخضر دولي لإسرائيل للاستمرار في هجومها ضد سكان غزة المحاصرين.

 

وبالعودة للقضية المرفوعة من قبل حكومة جنوب إفريقيا، يقول إلياف ليبليتش، أستاذ القانون الدولي في جامعة تل أبيب، لشبكة CNN، إن القضية مهمة سياسياً وقانونياً، ويضيف: "ادعاء الإبادة الجماعية هو أخطر ادعاء قانوني دولي يمكن توجيهه ضد دولة ما".

وصفت إسرائيل القضية بأنها "فرية الدم" من جانب جنوب إفريقيا، وهو اتهام مستتر بمعاداة السامية، وأصرّت على إن المقاومة الفلسطينية هي التي ارتكبت إبادة جماعية، و"الجيش" الإسرائيلي يتصرف "بأكثر الطرق أخلاقية" و "يبذل قصارى جهده لتجنب إيذاء المدنيين".

إن كان كذلك، لماذا حشدت إسرائيل دبلوماسييها للضغط على دول لدعم موقفها وخلق ضغوط دولية ضد هذه القضية؟

 

لم تنتهِ الادعاءات والمزاعم "الإسرائيلية" الّتي لا يستطيع تقبلها العقل البشري السليم، لتظهر سلسلة من التناقضات التي تحدث داخل كيانها، وزير يتكلم في جهة وآخر في جهة وإسرائيليون مدنيون يطالبون بالتغيير والإصلاح في "حكومتهم"، فما يتضح جليّاً أن طوفان الأقصى كشف الأقنعة وأظهر مكامن الخلل والضعف في هذا الكيان.

 

سبق لوزير التراث الإسرائيلي، عميحاي إلياهو بأن صرح حول أحد خيارات إسرائيل في الحرب على غزة، هو "إسقاط قنبلة نووية" على القطاع الأعزل.

وأصرّ إلياهو أن غزة تحتضن قوات المقاومة الفلسطينية فقط، وسط غياب المدنيين، وإنّ تقديم المساعدات الإنسانية للقطاع سيشكل "فشلاً"، والهجوم النووي على القطاع "خيار محتمل".

وبالتجديف مع أشرعة إلياهو، يتضح أن قاربه يتضارب مع تيار الحقيقة، إذ استهشد أكثر من

10 آلاف طفل و 7 آلاف شهيدة، ناهيك عن 337 من الطاقم الطبي، و45 من الدفاع المدني، ولهيب غدره طال 117 صحفي.

لا يمكننا التطرّق لأي مهزلة إسرائيلية دون أن يكون لنتنياهو حضوراً رئيسياً فيها، "إجى ليحكلا قام عماها"، وبالفعل هذا ما تمّ عندما حاول نتيناهو الردّ على إلياهو لتلميع صورة الكيان.

فيقول إن تصريحات إلياهو "منفصلة عن الواقع" وأن إسرائيل والجيش الإسرائيلي يتصرفان وفقاً للقانون الدولي لتجنب الإضرار بالمدنيين.

علاوةً على ذلك، لم يحدث في إسرائيل أن ظهر تيار يطالب رئيس حكومة بالاستقالة خلال حرب، فحتى في خضم الإخفاق في حرب أكتوبر/تشرين الأول عام 1973، لم يطالب أحد رئيسة الحكومة، غولدا مائير، ووزير الدفاع، موشيه ديان، بالاستقالة.

ورغم كلّ ذلك، يستمر نتيناهو في التنصل من تحمّل مسؤولية إخفاقاته وهزائمه المتكررة منذ توليه رئاسة الحكومة وسط إدانة الرأي العامّ الإسرائيلي لسياسته.

وهو ما اعتبره بعض المحللين الإسرائيليين نرجسية سياسية ونمطًاً من إرجاع النجاحات لنفسه والإخفاقات لغيره.

 

في خضم كلّ ما يحدث، يبقى المشهد الفلسطيني الحقيقي خير دليل على المجازر، والفيديوهات الّتي تبثّ يومياً تتكلم، وعداد الأرقام التي تزداد يوماً بعد يوم، فلسطينياً خلف فلسطيني، تثبت صحة المزاعم من كذبها، والحقّ لا يخفي نفسه عن أحد فهو واضح وضوح الشمس وراسخاً رسوخ الجبال.

 

مقالة: هديل حسام الدين - راما علبه

مقالات ذات صلة

داما بلاتفورم :

هي رحلة تتجاوز من خلالها الحدود التقليدية للإعلام ، منصتنا الرقمية التفاعلية تُقدم لك برامج متنوعة ومحتوى جريء يُلهم الأجيال الشابة ويستثمر في التحول الرقمي الإعلامي .

 

اكتشف معنا :

محتوى مُبتكر يُقدمه متخصصون في مختلف المجالات الإعلامية ، تجربة مستخدم فريدة تلائم تفضيلاتك.

 

لا تفوت الفرصة لتكون جزءًا من هذه المنصة الرائدة! انضم إلينا الآن وكن على تواصل مع العالم من خلال "داما بلاتفورم".