بعد هذا اليوم لم يعد للمستمعون مطالب، فقد تلقوا الخبر الأخير في أيام الضجر، مودّعين أحد قامات السينما السورية، عبر رسائل شفهية، لتمر بهم ذكريات صوره القديمة في ليالي ابن آوى، ويسطع نوره بعدها ليكون القمر الثاني مع تلك الزيتونة الوحيدة على رأس ذلك الجبل، اليوم غاب الأب الروحي للسينما، تاركاً خلفه أجيال كثيرة خارج التغطية، نودعك اليوم حاضراً، على أن تهطل أمطار اللقاء ثانية بدلاً من صعودها.
لم يكن خبر الوفاة للمخرج الراحل عبد اللطيف عبد الحميد مجرد خبر عابر على الوسط الفني وغيره، وحتى كلمات الرثاء لم تستطع اللحاق بطيبته وإنسانيته، فقليلة هي الكلمات وكثيرة هي المعاني، فعلى وقع المعاناة وآلم الفراق كانت ضحكته الاستثنائية الثابت الوحيد على مر الأيام.
منذ ثلاث سنوات ودّع الراحل زوجته "لاريسا" واصفاً رحيلها بانتهاء إجازتها من الحياة، بعد رحلة دامت 46 سنة، في فيلم سينمائي طويل بين الحب والإنسانية والعمل.
ولد عبد الحميد في عام 1954 تخرج من كلية الأدب العربي في جامعة تشرين، وبعدها حصل على منحة لدراسة السينما في روسيا، ليعود ويرسم طريق طويل من الحب والجهد.
وكانت مسيرة الراحل مليئة بالإنجازات الحافلة، مقدما نفسه كمخرج تارة، ومؤلف تارة أخرى، وفي كثير من الأعمال مؤلف ومخرج، نال مع فيلمه الأول "ليالي ابن آوى " جائزة السيف الذهبي في مهرجان دمشق السينمائي، والزيتونة الذهبية في مهرجان حوض البحر المتوسط في كورسيكا والجائزة الذهبية من مهرجان الفيلم الأول الدولي في أنوناي بفرنسا.
وبعد تلك الليالي تابع الراحل أعماله المحكية باللهجة الساحلية الريفية، حيث صنفها النقاد برباعية عبد الحميد والتي كانت رسائل شفهية 1989 وقمران وزيتونة 2001 وما يطلبه المستمعون 2003.
بعيداً عن الساحل والريف، لم تستطع الحرب وأوجاعها، من إطفاء شعلة الإبداع لديه، فجسد تلك الآلام والأوجاع وتأثيرها على الشعب السوري، من خلال أفلامه " أنا وأبي وأمي وأنت "وطريق النحل 2017 وعزف منفرد 2018 ويختتم مسيرة الإبداع عبر فيلم " الطريق" والذي أهداه لزوجته الراحلة لاريسا وشريكه في السيناريو الراحل عادل محمود، والتي انعكست بمرارات الغياب في الخطاب والصورة.