أنا أنت

الصفحة الأولى في حياتنا

post-img

على هامش إعجابها به:

 

بعد أن وصلت إلى المنزل تلك الليلة، جلست على سريري وأخذت أتأمل هاتفي بشوق، لا شيء كان بإمكانه أن يزيل ابتسامتي الواسعة عن وجهي، منبهرة بكل ما حدث خلال تلك الجلسة مع جواد، سرعان ما رأيت "الستوري" الجديد الذي نشره على حسابه، مليئاً بصورنا سويةً في المقهى، ابتسمت وأنا أرى كم كنا نبدو لطيفين معاً.

 

تذكرت طلبه عندما كنت أودعه، أن أرسل له رسالة عندما أصل إلى المنزل لأخبره بسلامتي، لكنني شعرت برغبة مفاجئة في تجاوز طلبه، ربما لعدم إرضاء جوانب ذكوريته المتوقعة، قررت أن أرسل قلباً صغيراً، ليدرك بأنني أحببت الصورة واللحظات التي قضيناها معاً، وبإشارة غير مباشرة أنني وصلت بخير لكنني لن أخبرك، كم هي غريبة الهرمونات النسائية، فالحماسة والفرحة تسري في أعماقنا دائماً، وتدفعنا إلى التمسك بكبريائنا الأنثوي، رافضةً أن تكون راعية المبادرات.

 

وبعد لحظات قليلة، اهتز هاتفي بإشعار جديد، تساءلَ فيما إذا كنت قد وصلت للمنزل، شعرت بدفء نابع من الداخل يغمرني، يهتم حقاً بسلامتي ويرغب في التأكد من أنني بخير، نحن النساء يفتننا الاهتمام على بساطته، وإغراء الرعاية الصادقة تثير فينا البساطة والجاذبية.

 

سألني عن رأي بالجلسة، وأخبرني بأنه استمتع بحديثي، حدثني كم كنت جميلة وفاتنة، ومرحة، مدحني بشكل مبالغ به، وأن أكثر ما شده إلي هو طبيعيتي، وعفويتي.

 

تركت هاتفي بضع دقائق بعد أن قرأت رسائله، انطلقت خطواتي نحو الغرفة المجاورة حيث توجد مرآتي، انعكست أضواء الغرفة بلطف على بشرتي، مضفية لمعة ساحرة على ملامحي، وهناك وقفت، وجهت نظرتي إلى وجهي المنعكس في المرآة أمامي، تأملت تفاصيله بدقة، وتلاشت الشكوك والتردد ليخسران أرضهما أمام جمال طبيعي يشع من داخلي، كانت كل الشهادات والمدح التي قدمها لي جواد بمثابة رؤية جديدة لنفسي.

 

المرآة نافذة سحرية، تعكس أبعاداً أخرى من ذواتنا التي لا نراها بأنفسنا، انعكاس لروحنا الداخلية، تتجاوز المظهر لتعبّر عن جوهرنا الحقيقي لتغدو انعكاساً لوجود أعظم، وعلاقة المرأة بالمرآة غريبة تارة تحبها، وتارة تمقتها، قبل إطراءات جواد، كنت أكرهها، دائماً ما أشعر أنها عدوتي، تظهر عيوبي وتركز عليها، وأبشع ما في شكلي، الهالات السوداء نتيجة التعب اليومي، والأنف والشفاه التي لا تتناسب مع معايير الجمال المجتمعية، كما وخطوط السعادة والحزن على وجهي، ذبول الحزن، وبهجة الأيام السعيدة.

 

كرهي للمرآة لا يعني أنني لا أثق بنفسي، لكن الأثنى بطبعها تحت الكمال، تركز على المثالية والجمال، لذا وبعد أن عرفت أن جمالي لفت جواد، تغافلت عن كل العيوب التي أظهرتها مرآتي بل ولأكون دقيقة لم أجد أي عيوب، على العكس، فتنت بطبيعيتي، بملامحي التي تشبهني، ولا تشبه الإناث من حولي.

 

قاطعت شرودي رسائله، أرسلت له رسالة شكرته فيها على مجاملته، والتي أكد لي أنها ليست إلا الواقع، أخبرته عن مدى السعادة التي غمرت قلبي بمحادثته، وبدون مقدمات، أو لف ودوران، طلب أن يلتقي بي مجدداً.

 

"عندي طلب صغير ناي، أنا ما فهمت آخر قاعدة أخدناها بالكورس، معلش نلتقي بكرة وتشرحيلي ياها، مالي حابب الحصة الجاية فوت متل الأهبل مو فهمان شي".

 

وعلى الفور وافقت، حددنا مكان وساعة اللقاء، بعد ذلك، رميت هاتفي جانباً وأغمضت عيني، وأنا أستعيد في ذهني كل تفاصيل تلك الجلسة الرائعة، بدا كل شيء مثالياً، جواد شخص لطيف ومهذب وواضح أنه يحترمني ويريد التعرف علي أكثر، أحببت كيف كنا نتفاعل ببساطة وبراءة كأننا أصدقاء منذ زمن بعيد، لاشك أنني أحببت ذلك الشعور الدافئ الذي يغمرني بمجرد التفكير فيه أو التحدث معه، كان كل شيء بيننا يبدو سلساً وطبيعياً للغاية.

 

مع إنقضاء ليلة جلستنا، وقدوم موعد لقائنا امتلكتني حماسة غريبة، عند السادسة مساء، وهو الموعد المتفق عليه، وصلت إلى كافيه باسكوتشي في الشعلان، وكان جواد جالساً بالفعل ينتظرني، نهض واقفاً مبتسماً ومرحباً عندما رآني وسرعان ما جلست أمامه، تبادلنا التحيات، وبين الابتسامات الناعمة، والنظرات الدافئة، ضاع الهدف المزعوم للقاءنا، وكأن كلانا يدرك أن حجة قاعدة اللغة الإنكليزية غير المفهومة ما هي إلى مبرر لرؤيتي.

 

همهمت له بجدية: " شو ما فهمت بالزبط؟"

 

فتح كتاب اللغة الإنكليزية لنا وبدأ بطرح أسئلته عن قاعدة المبني للمجهول، حاولت جاهدة أن أركز على شرحي وتوضيح النقاط الصعبة، لكننني كثيراً ما كنت ألتقط أنفاسي وأنا أراقب تفاصيل وجهه الوسيم ونظراته، في بعض الأوقات، كنا نتوقف لنتبادل بعض النكات والضحكات الخفيفة، وهو ما أحببته كثيراً، أجواءٌ رائعة تسري بيننا لا تشعرني بالتوتر على الإطلاق، وبين شرح القاعدة، والتلميحات، والغمز، والنظرات، بوضوح طلب مني أن أسمعه، دون مقاطعة، ركزت في حديثه بكل حواسي، قفز قلبي فرحاً بما قاله، وبين الخوف والتردد والحماسة والرغبة، وافقت ....

 

خطوات لبداية تليق بها:

 

في هذه الليلة القمراء التي انتهت بالوصول لحسابها الشخصي، كان عليّ الانتقال إلى المرحلة التالية تمهيداً لأن أحادثها على تطبيق المسنجر، كهدف قريب، وأن اعترف لها بالإعجاب كهدف بعيد، ولكنه ليس كذلك.

قمت على الفور بمشاركة الصور على خاصية الستوري، و" تاغيت" للكل حتى يصلها على المسنجر أن جواد قام بمشاركة صورة، وبالفعل حدث ما كان متوقعاً، أرسلت لي قلباً، وهنا بدأ قلبي بالخفقان أكثر وأكثر، يبدو أنها وصلت إلى البيت، وبالحديث عن هذا التفصيل، لماذا يبدو لنا نحن الشباب أنه يجب على الأنثى أن تخبرنا بكل تفاصيلها، وصلت أكلت، نمت، شربت، لا أدري ما الفكرة لكنها ليست ضرورية في كل الأوقات، من المستحيل أن أقول لها وهي ذاهبة للنوم: "ديري بالك ع حالك" .... كمية السخافة في تلك الجملة تزيل تماماً ما تحمله من اهتمام مزيف، ولا حاجة لها.

وبالفعل بعد التفكير الكثير بالقصة، رحت وقلت لها، ما هو رأيك بجلسة اليوم، وبعد جوابها، لم ألحظ على نفسي إلا أنني أقوم بالتغزل فيها، وكيف كانت تبدو في الجلسة، بين المرح والعفوية، والأفكار البسيطة وعمق مفهومها، وبعدها اختفت فجأة، لا أدري إلى أين، لكنني لست مسؤولاً لا الآن ولا لاحقاً فتلك حياتها الشخصية ومساحتها الخاصة، وبعد فترة من الزمن رن جهازي برسالة منها، تشكرني فيها على كلامي ومجاملتي لها، وهنا يجب القول أننا نهرب من حقيقتنا إلى الثناء للمجاملة، إلا أننا على علم بما نحن عليه من جمال وغزل حتى.

طلبت من ناي أن ألتقيها غداً، فأنا أعاني من ضعف اللغة الإنكليزية بجميع الأحوال، ليست هي المقصد، وليس الضعف حتى، لكن شعرت نفسي، أنني "البروفيسور" في مسلسل " لاكاسا دي بابيل" ورحت أخطط بتنظيم الحديث وكيف أفاتحها الموضوع، المهم كان ولادتي عند الساعة السادسة في الشعلان، ورحت أفكر كيف سأبدو وماذا أرتدي، وأي ساعة وحذاء، ولم يعد هنالك سوى الموتى لم أسمع رأيهم في الثياب التي أخترتها أخيراً.

في اليوم التالي، ومن شدة الولع حتى يأتي الموعد، ماكان عليّ سوى أن أقوم باللعب بعقارب الساعة ووضعها على السادسة تماماً وأضحك على نفسي وأذهب للموعد، لكنه وبكثير من التأفف والملل والغضب، اقتربت الساعة للخامسة والنصف، فرحت مسرعاً وانتظرتها في المكان المتفق عليه، كان كئيباً، أضواء خافتة، صوت موسيقى كلاسيكية مملة، وجوه أشخاص شاحبة، شعرت نفسي وكأنني البطل في رواية البؤساء، حتى دخلت هي، وكأن الربيع حل على المقهى مبكراً، امتلأت بالورود، أصبحت الموسيقى أكثر جاذبية، ترافقها ضحكات الموجودين، بدت الحياة جميلة في تلك اللحظة، وكأن الجميع يرحب فيها حين دخلت، ظل الوضع كما هو عليه حتى جلست على كرسيها، فالتزم الجميع بالهدوء واستمر الربيع.

باللحظات الأولى كنت مرتبكاً تماماً، ولكن ضبطت نفسي على توقيتها، ورحت شارد الذهب بها، بعد أن طلبت منها أن تشرح لي تلك القواعد في صف اللغة الإنكليزية، بقيت تشرح لمدة تتجاوز نصف ساعة، طبعاً لم أكن معها في الحديث، ولا زلت لا أفهم، إلا أنني كنت ألملم نفسي واستجمع قوتي حتى أشرح لها فكرتي أنا، فالفتاة بجميع الأحوال تحب الرجل ذو الشخصية القوية، وعليه قلت لها : " لم أكن أدري في يوم من الأيام أن اٌقع بإعجاب فتاة في تلك السهولة، دون أي مقاومة، كثير ما يلفتني في الشوارع والباصات تفاصيل لأشخاص ولو كانوا نساءً لكنه لا يتعدى رغبتي عن كوني أعشق التفاصيل بسبب الرسم ، لكن أنت جعلتني أضيع في تلك التفاصيل ولا أعلم طريق العودة، ترددت في الفترة الأولى للدخول في علاقة، لكن ما جعلني أؤمن بك هو تجددك المستمر وجمالك الذي لا يبهت وأفكارك المتقاربة لأفكاري، شخصيتك العفوية، وارتباكك وخوفك، وحتى الحدس، باختصار أحببت تفاصيلك كلها، قد لا أحبذ فكرة تسميه هذه المشاعر المقدسة بتسمية " العلاقة" لأنها أعمق وأسمى من أن تكون كذلك، إلا أنني وبعيداً عن الوعود أشعر بالراحة بقربك، وهذا مايهمني في أي علاقة أن أكون بهذه الراحة ولا أفكر فيما سأقول وكيف سأقول، لدي ثقة كاملة أنك ستفهمينني على نحو صائب، وسأفهمك بذات اللحظة، لست مستعجلاً على شيء، أود أن أبني معك قصة حب ختامها نحن وبدايتها نحن.

 

إعداد: هديل حسام الدين – غدير ابراهيم

مقالات ذات صلة

داما بلاتفورم :

هي رحلة تتجاوز من خلالها الحدود التقليدية للإعلام ، منصتنا الرقمية التفاعلية تُقدم لك برامج متنوعة ومحتوى جريء يُلهم الأجيال الشابة ويستثمر في التحول الرقمي الإعلامي .

 

اكتشف معنا :

محتوى مُبتكر يُقدمه متخصصون في مختلف المجالات الإعلامية ، تجربة مستخدم فريدة تلائم تفضيلاتك.

 

لا تفوت الفرصة لتكون جزءًا من هذه المنصة الرائدة! انضم إلينا الآن وكن على تواصل مع العالم من خلال "داما بلاتفورم".