لمسة الحب الشافية :
خرجت من منزلي وقلبي يسابقني، وصلتُ إلى الفصل متأخرةً بربع ساعة تقريباً، مرهقة جراء المسابقة المحمومة مع الزمن، ولكنني متحمسة، اعتذرت من الأستاذة والحجة هي الازدحام، دخلت للقاعة، ثم بدأتُ البحث عنه بأعينٍ مترقبة تتجول بين مقاعد الطلاب، حتى جلستُ قبالته، ضبطت نفسي كي لا يفضحني بريق عيني، واخفيت ابتسامتي لحظة رؤيته.
ابتسم في وجهي مرحباً بدخولي، ورقص قلبي فرحاً، ذكرت سابقاً أن جواد يمتلك ابتسامة جميلة، لكنني غفلت ذكر أنها تسرق اهتمامي، ابتسامة دافئة ومميزة.
وبينما كنت أحاول التركيز في درس اليوم، الذي تناول موضوع:
"Being Single Versus Relationship"
البقاء عازباً أو الدخول في علاقة.
أخذت الأستاذة تسألنا عن آراءنا حول هذا الموضوع وبدأت نقاشها بسؤال:
"Is it better to stay single or be in a relationship?"
ولم أتردد كثيراً في الإجابة، فرؤيتي واضحة ولا تقبل الشك، أحب فكرة الارتباط والحب وتكوين العائلة، لا أتمنى أن أعيش حياةً بدون شريك أو حب فيها، ما الفائدة من بقاءك وحيداً بدون من يشاطرك أيامك؟
وعلى الدوام، يحدثُ فيَّ عطشٌ شديدٌ لإيجاد شريكٍ يتناسب معي، من يدعمني ويحبني ويشاركني اهتماماتي. لذا، بلهفةٍ وحماسٍ قلت:
"I would rather be in a relationship and find a partner than be alone.."
واستغليتُ الفرصة للحديث عن فوائد الدخول في علاقة عاطفية، استعرضتُ بكل تفصيلٍ محاسن الارتباط،
البحث عن إظهار ضعفنا و قله حيلتنا مع شخص واحد فقط، كما العيش بإنسانية متناقضة وكل نقيض يقول جزءأ من الحقيقة.
لم أكن قد فكرت يوماً في تحديد مواصفات لشريكي المستقبلي، لذا أخذتُ وقتاً للتأمل والتفكير قبل أن أجيب ثم اختصرتُ إجابتي في جملةٍ واحدة: شريك لا أكبر معه بالعمر.
رحت أفكر لماذا نبحث عن شريك نشيخ برفقته، أليس من الأفضل والأجدر أن نجد من لا نكبر بالعمر والهموم معه، يعيد لنا ابتسامات الطفولة وفرحها.
قررت أن أوضح قليلاً مواصفات رجل أحلامي متعمدة أمام جواد، ولأنني إنسانة "ثرثارة" أرغب في إيجاد من يشاركني حواراتي، يحب جنوني، ويهفو للمغامرات برفقتي، يتحمل تقلباتي، يتيح لي الظهور بمنتهى إنسانيتي وحقيقتي التي لا أظهرها أمام الكثيرين من حولي.
يرى من استقلالي قوة له، لا جرحاً "لذكوريته" لا أريد رجلاً شرقياً تقيده عادات أكل الزمن عليها وشرب، وفي خضم هذا السؤال، تراءى لذهني آخر، لماذا يخاف الرجل الارتباط بفتاة قوية ومستقلة؟
لم أجد مبرراً لمخاوفه سوى أنه قد يقول "لا حاجة للفتاة لي إذا كانت قادرة على تسيير أمورها، لا مكان لي في حياتها" فقد اعتاد الرجل على أن يكون صاحب المبادرات والحامي.
استمريتُ في متابعة المناقشة وأفكاري تنساب بحريةٍ ووضوحٍ، مخرجةً عن المألوف والتقليدي.
بعد القيل والقال، والمناقشات واختلاف وجهات النظر خرجنا ....
في طريق عودتنا، شعرت بخيبة أمل غريبة، أرتب نفسي دائماً واهتم بمظهري لكنني اليوم تقصدت أن أظهر برتابة مبالغة لألفته، فغافلني ولم يمدحني!
تبادلنا أفكاراً حول موضوع العلاقات وما يعنيه بالنسبة لنا، سألني عن دراستي وعملي، وعن عائلتي، كنت ثرثارة لدرجة مبالغ بها، أحببت الحديث معه، لم أصمت، ضحكنا كثيراً، جزء مني كان مركزاً في حديثنا، وآخر يفكر هل هو مرتبط أم لا، وفي زحمة حديثنا، رن هاتفه، وبفطرتي الأنثوية وفضولي سرقت نظرة سريعة لمعرفة هوية المتصلة، اتضح أنها رهف، شعرت وكأن كأساً من الماء البارد قد انهمر على رأسي، استأذن وابتعد للرد على مكالمته، ابتسمت له بابتسامة مصطنعة، ولكن الغيرة تأكلني.
لا شيء يربطني به، لا صديق مقرب ولا حبيب. ومع ذلك، انتابتني الشكوك حول هويتها وعلاقته بها. هل هي حبيبته؟ أم أمه؟ أم أخته؟ بدأ التوتر يتسلل إلى كياني، وعلامات القلق والتوتر ترتسم على وجهي.
استمرت المكالمة لمدة دقيقتين فقط، بدت لي ساعتين. كنت مترددة وحائرة، هل يجب أن أسأله إذا كان مرتبطاً؟ أم يجب أن أظهر بمظهري الخجول والمتردد؟ وما الذي قد يفكر فيه إذا ما قمت بالسؤال؟ ربما يصدمني ويقول لي إنه مرتبط وابتعد عني كي لا تعلم أنه برفقة فتاة، ربما ابتعد كي يجبرني على المبادرة وسؤاله عن حالته العاطفية، وأكون بذلك قد فرضت عليه حركتي هذه، وفتحت له الفرصة ليعبر عن حالته ومشاعره تجاهي.
وفي هذه اللحظة، وبينما كنت منهمكة بتفكيري وترددي، عاد إلى جانبي. كان واضحاً أن تخبطي وترددي قد بدأ يظهر على وجهي. سألني عدة مرات إذا ما حدث أي شيء طارئ، تعذرت بأنني مرهقة جداً من ضغط العمل والحياة اليومية.
شعرت بالتوتر يتصاعد داخلي، وقررت أن أضع حداً للشكوك وأطرح تساؤلي بكل جرأة، قاطعته بصوت مرتفع وألقيت عليه السؤال المباشر: "هل أنت مرتبط؟" صدمني جوابه .....
بين التوازن والاختلافات :
بعد خروجي من البيت، رحت متوجهاً إلى درس اللغة، وصلت كالعادة على الوقت تماماً، دخلنا جميعاً، لم تكن موجودة، بحثت عنها على أمل أن أكون قد سهيت عنها، لكن عددنا القليل حال دون ذلك، فلا مجال للخطأ، انتظرت وانتظرت، ماذا حل بها، دعيت لها أن تكون بخير رغم أنني لا أعلم عنها شيء إلا أن نيّتي سبقت تفكيري ولساني.
وبعد مضي أكثر من ربع ساعة، دخلت هي مرتبكة بنفسها، ومنهكة، رأيت نظراتها تتجول بين المقاعد، توقف الزمن عندي، عندما جلست قبالتي، ضاقت رؤية نظري وتوسع قلبي، وبلا تفكير مسبق أو تخطيط كما يفعل الشباب عادة في تطبيق الفتيات، ابتسمت ابتسامة لا تخلو من النقاء.
وفي جوقة الأحاديث الحاصلة في الدرس، عن رأي شباب اليوم، حول الارتباط وتكوين العائلة، أو البقاء عازباً محارباً تلك المشاعر في ظل الظروف التي يمر بها أغلب الشباب في البلاد، جاوبت هي، كانت مندفعة لفكرة الحب والارتباط، ومتحمسة لحياة تتقاسمها مع شريكها المستقبلي، كانت تلك الإجابات بمثابة انفجار صمام الأمور لدي، فهي تتيح لي مسافة جديدة كي أخطو نحوها، يبقى عليّ أن أعرف إن كانت في علاقة حالياً، أم لا.
وبالتفكير في جوابها والأبعاد الممكنة حول كيفية التقرب والتواصل، سألتني الأستاذة عني رأيي، مكررة السؤال مرتين لأنني في الأولى لم أكن حاضر الذهن، توقفت وقلت رأيي بتجرد، بالرغم من ان كلامي لا يبتعد كثيراً عن كلامها، إلا أنني أشعر بأن الحياة ستكون حياة فقط عندما نقع في الحب، سيكون كل شيء مختلفاً، لكنني كشاب يعيش في هذه البقعة من الأرض إلا أنني أشعر دائماً بالفشل المادي، ليس لأنه ليس لدي دخل، أو أن يكون مصروفي كبير جداً، بل لأن في هذه البلاد أنت تعيش لتأكل وليس لتحلم وتستقر، قلت جوابي بشفافية واضحة، بين الحب والمال، تموت كل العلاقات.
وبيني وبين نفسي، ولأن حياتي عبارة عن مبادئ ثابتة، فنظرتي للحب ولفتاة أحلامي، مختلفة بعض الشيء، فأنا شخص لا يجد مبالغة في التشاركية ولا انتقاص من قيمتنا، بل على العكس تماماً، وأين العيب لو دفعت هي فاتورة المطعم الذي نأكل فيه كل شهر على سبيل المثال مرة أو مرتين، أين المشكلة في ذلك، هي لها كيانها وعملها وأنا لي كياني وعملي، هي لها راتبها الشهري وأنا لي راتبي الشهري، وبما أنها مستقلة مادياً فأتوقع ألا أجد صعوبة في التعامل معها على هذه الطريقة، ربما نكون مختلفين في زمن المثالية.
لملمنا فتات أنفسنا عند انتهاء الحصة، وقلت لها مباشرة: "نذهب سوية؟" أومأت برأسها إشارة إلى قبولها، وتهنا بين أرصفة الطرقات والزوايا، رن هاتفي فجأة، وإذا بأختي تتصل، وحتى أشعل نيران الغيرة داخلها، ابتعدت عنها مسافة، وأكملت هاتفي الطبيعي، وأنا أسرق نظراتي إليها أراقب حركاتها، شعرت بغيرتها عن بعد، وعندما انتهيت، عدت إليها وكذبت قائلاً : كان ضروري رد، وابتسمت ابتسامة ماكرة لكنها غنية بالحب، انتبهت وقتها أنها ليست على مايرام، صامتة وشاردة، رغم أن طلتها في هذا اليوم، كانت توازي سبع شموس وقمران، ناقشتها حول أفكارنا في الحصة، تقاطعنا في الكثير منها، وفجأة، سألتني، هل أنت مرتبط؟ ، لم أكن أتوقع أن تبادر هي بالسؤال، وهل سؤالها في نية الفضول أم أن لديهما مشاعر حقاً، وما الفرق، بالحالتين جوابي هو لا لست كذلك، لكنني نجحت في إثارة غيرتها، نظرت إليها مرتبكاً وكأنها نقلت ارتباكها إلي، ازداد خفقات قلبي، وقلت لها : لست مرتبطاً.
إعداد : غدير إبراهيم و هديل حسام الدين