بين إعجابها والحذر
أمضيت أيامي التي سبقت موعد الحصة الجديدة، غارقةً في أفكاري ومشاعري بعد لقائي العابر معه، لا أنكر أنه ترك انطباعاً جميلاً لدي.
في اليوم الأول، تراءت لذهني تفاصيل ذلك اليوم، وجدت نفسي أعاود تذكر نبرة صوته الهادئة وهو يتحدث، حتى أنني ما زلت أتذكر رائحة عطره!
أتذكر تماماً كيف كان يرتدي قميصاً أزرق فاتح وجينز، كان شعره مسرحاً بعناية واللحية مبعثرة بعض الشيء، أعجبتُ حقاً بهذا المزيج من الأناقة والبساطة في مظهره.
وبينما كنا نسير جنباً إلى جنب في شارع الحمراء، لاحظتُ امتلاكه ابتسامةً جميلة، ضحكتُ كثيراً معه وهو يلقي بتعليقاته المرحة على ما يحيط بنا، شدّتني ثقافته ومعرفته الواسعة.
ومع مرور اليوم الثاني، لم استطع كبح تطفلي، إذ دفعني فضولي لأبحث على حسابه على موقع فيسبوك، وبعد بحثي المعمق، اكتشفت أن لدينا اهتمامات مشتركة بالفن والأدب والسفر، حتى إنني وجدت بعض صوره القديمة في رحلاته، بدا مغامراً ومحباً للحياة.
وجدت العديد من منشوراته حول لوحاته ورسوماته الفنية، لم أكن أعلم أنه فنان!
شعرتُ وكأنني اكتشفت جانباً آخر من شخصيته التي لم أكن أعلم عنها من قبل، يبدو أن لديه موهبة فنية رائعة وحساً جمالياً مرهفاً.
لطالما أعجبتُ بالفنانين والمبدعين، فهم يمتلكون عالماً داخلياً غنياً ورؤية فريدة للأشياء، زاد اهتمامي به بعد اكتشاف موهبته، وتطلعت للتحدث معه عن فنه ورسوماته في لقائنا القادم.
لا بد أن يحكي رسمه لهذه اللوحات قصة ما، شعرت وكأن ريشته الفنية تنطق بكل ما لا يستطيع الشفاه التعبير عنه بكلمات.
ترددت كثيراً قبل أن أرسل له طلب صداقة، هل سيراه مبالغةً مني؟ ماذا سيفكر؟ ربما كان من الأفضل أن أنتظر قليلاً، ضبطت فضولي ولم تسمح لي أنوثتي بالتنازل وتقديم هذه الفرصة له، اختلطت هرموناتي بكبريائي ومنعتني.
ظللت أفكر في الأسئلة التي سأطرحها عليه عند لقائنا، هل أبادر بالسؤال عن فنه مباشرة؟ أم أنتظر قليلاً حتى نلتقط أنفاسنا بعد تبادل التحية؟ أخشى أن أظهر بمظهر الفضولية المتحمسة للغاية! التوازن مفروض هنا.
ربما من الأفضل أن أتيح للحديث يتدفق بشكل طبيعي، دون أن أشير إلى معرفتي بموهبته، كي لا يدرك أنني بحثت عنه "فتكبر الخسة براسو"، نعم، هذا سيكون مناسباً أكثر.
وتساءلت عن برجه هو الآخر.. هل هو الأسد المتوهج بشموخ؟ أم العقرب المتيقظ دوماً؟
قررت أن أتحين اللحظة المناسبة لأسأله بلطف عن تاريخ ميلاده، فيذكر لي اليوم والشهر من غير قصد، هكذا أكون قد حصلت على القطعة الناقصة من لغز برجه!
لم أذكر أنني فنانة، أمتهن العزف على آلة القانون، وكفنانة مولعة بالموسيقى والفن الشرقي، غالباً ما أجد نفسي غارقة في عزف مقطوعاتي المفضلة لكبار الفنانين أمثال أم كلثوم وعبير نعمة وجوليا.
كنت أستمع لإحدى أغنياتي المفضلة لأصالة، أدركت فجأة أن لكل إنسان أغنية لها نبض خاص، لحن يثير ذكرياته، ويمس أوتار قلبه برقة! فتساءلت.. أي أغنية تثير صدى في روحه هو؟ ما هي المقطوعة المفضلة التي يتذوقها بحواسه كلها؟
قررت أن أسأله بأسلوب غير مباشر عن أحب الألحان إلى قلبه! سآتيه من باب الاهتمام العفوي بموسيقاه وذوقه، ولكن بين طيات كلماتي، سيكمن سؤال آخر أكثر عمقاً: هل يمكن أن نتناغم يوماً ما مثل تلك النوتات الرقيقة؟
بصراحة، أشعر وكأنني أسبح في بحرٍ من المشاعر المتضاربة، جزءٌ مني متحمس ومتلهف لاستكشاف هذا الأمر، والجزء الآخر حذر ويتساءل عن النتائج، لكنني أثق بحدسي، وأؤمن أن هذه التجربة ستكون مثيرة وممتعة بالتأكيد.
وفي الساعات التي سبقت موعد الحصة الموعودة، ظللتُ أفكر فيما سأرتديه، أمضيت ساعة كاملة وأنا أختار الملابس المناسبة، أجرّب ثلاث تسريحات مختلفة لشعري، أضع القليل من المكياج بعناية كي لا يبدو وكأنني متكلفة.
بعد أن انتهيتِ من وضع اللمسات الأخيرة لإطلالتي، شعرت بفرح وتوتر ممزوجين في قلبي، كنت بانتظار هذا اللقاء بفارغ الصبر، خرجت من منزلي حاملةً تساؤلات مختلفة حول كيف سيكون اللقاء هذه المرة ...
بين تخيلاته والواقع
بعد العودة من جسر الرئيس سيراً إلى البيت، انتابني شعور الفرحة، ورحت اتباهى بنفسي أنني قد كلمتها وأنها وضعت قدمها الأولى على الأقل كي تصبح صديقتي، وهذا لأن مبدأي في الحياة هو الموقف سيد الأحكام، تركت القصة تجري كما مقدر لها والذهاب مع مشاعري إلى أقصاها.
تصرفت بعفوية تامة في ذلك اليوم، حتى مع الأصدقاء والعائلة، ومر عليّ اليوم الأول حتى دون أن أشعر، بالرغم من أن لا إضافات على حياتي الروتينية، فقطع الكهرباء كما هو، التغطية بالنسبة للاتصالات من سيء إلى أسوأ، لكن لا علينا فقد أضاف وجودها شكلاً جديداً من أشكال الحياة.
في اليوم الثاني وأنا لا أريد انشقاقي عن الأول أساساً، رحت أحاول رسمها على الورق، مع أنه لا أذكر أنني رسمت شخصاً دون صورة في يدي، المهم رحت أحاول دون جدوى مع أغاني فيروز وفنجان القهوة، إلى أن حل المساء وأنا غارق في تفاصيلها بعد أن مزقت أوراقاً لا تعد ولا تحصى، وفي الليل رحت أفكر وأحلل ما قامت به، وأخطط وأحسب، حتى وصل الأمر إلى الأطفال ومكان السكن، والمضحك أننا تقاتلنا ماذا سنسمي طفلنا الأول.
في اليوم الثالث من لقائنا وقبل أن أراها بيوم واحد، رحت أفكر هل أنا مستعد للدخول في علاقة عاطفية مع فتاة لا اعرف عنها سوى اسمها، كيف سيكون حالنا، هل سنتوافق، أم أننا سنكون كالبارود، وقبل كل هذا ماذا لو كنا من طائفتين مختلفتين، هل سينبذنا المجتمع، وهل كانت عبلة من طائفة وعنتر من طائفة، إذا كانت الطوائف قد وجدت للسلام، فهل الحب ينذر بالحروب والمخاوف إلى درجة رفض الطوائف له، وماذا لو قبل أهلي بها ورفضوا أهلها أو العكس " باخدها خطيفة يعني" وهل الطريقة في عبادة الله تحرم قلبين انفطرا على الحب، ومن الأهم النوايا أم العمل؟ .. بعضنا شديد الإيمان إلى درجة أنه لا يعرف الله وقت الصلاة ! لم يراودني أي جواب وكالعادة لن استبق الأحداث.
وبالنظر إلى المرآة في غرفتي نظرت لنفسي، هل سيعجبها شكلي، تلك الذقن غير المشذبة، وطريقة ارتدائي للباس والألوان، ماذا لو كانت كائن صيفي، وأنا من عشاق الشتاء، وما العيب في الموضوع، فلماذا يركض الناس إلى الارتباط بأشخاص ذات الطبع والتفاصيل والاهتمامات، أين اللذة في الموضوع أن يكون في البيت كائنين بنفس التفكير، أم أن يكون هنالك شخص واحد بفكرين مختلفين.
قبيل الجلسة بعدة ساعات قررت البحث عنها على الفيسبوك، ورحت أتجول في تلك الصفحات على أمل أن تظهر لي صفحتها الشخصية، ولكن دون جدوى، ذلك الغموض يثير قلقي، لكن تفاصيلها وشمت ولن تمحوها هفوات الزمن، مر الوقت سريعاً ارتديت ثيابي وقبل الخروج قمت برش عطري الخاص وذهب في سباق الوقت إلا أن قلبي كان قد سبقني.
إعداد: هديل حسام الدين - غدير ابراهيم