نعود بالذهن إلى مسلسلات البيئة الشامية، حين كان الجميع يقطن في منزل واحد، هذه الظاهرة كانت قد بدأت تختفي من المجتمع السوري تدريجياً مع نهاية القرن الماضي، إلّا أنها عادت إثر الحرب على سوريا إلى الظهور مجدداً.
فرض الواقع الاقتصادي المتهالك على الكثير من المواطنين البحث عن السكن المشترك في مناطق مثل المزة 86، حي الورود، جرمانا، عش الورور، لأنه يخفف عبء الإيجارات في ظلّ ارتفاع أسعارها، خصوصاً أن متوسط دخل الفرد شهرياً في سورية لا يسمح له باستئجار منزل منفصل.
منازل صغيرة تتشاركها عائلات:
كان رائجاً مفهوم السكن المشترك بين الطلاب وخصوصاً طلاب الجامعات الّذين يدرسون في محافظات بعيدة عن مكان إقامتهم، إلّا أنّ الواقع السوريّ اليوم وسّع نطاق المفهوم وأبعاده، فاليوم حتّى العائلات وجدت السكن المشترك الحلّ والخيار الأنسب.
خسرت الكثير من العائلات بيوتها خلال الحرب على البلاد، فوجدت في السكن المشترك عزاء لما أصابها، خاصةً وأنه من سابع المستحيلات أن تعيد هذه الأسر ترميم ما هدمته الحرب بسبب ارتفاع مستلزمات مواد البناء.
وهنا تتعدّد الحالات وتختلف، فأحياناً تكون الأسر أقارب بمعنى أولاد العموم، والخالات والعمّات، يستأجرون شقة كاملة وكلّ أسرة تأخذ غرفة مع منتفعات المطبخ والحمامات المشتركة.
أمّا الحالة الأخرى وهي الّتي تجمع بين أسر غريبة عن بعضها البعض، مجبرين على العيش في بناء معين يتشاركون فيه جميع المنتفعات، لا يملكون خصوصية في مسكنهم سوى الغرفة، ليصبح المنزل خليطاً من الأحداث المرتبطة بكل فرد وكلّ عائلة.
طلاب جامعيون يتجهون للسكن المشترك:
ليس غريباً أن تقرأ إعلاناً على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي يتضمن (فتيات للسكن المشترك) هذه الإعلانات إن صح القول هي الأكثر انتشاراً بين شريحة الشباب، سواء من الذكور أو الفتيات، فالأمر لم يعد حكراً على الفتيات لأن الشباب أيضاً يبحثون عن الأرخص مادياً لهم.
وجد الكثير من الطلاب الجامعيين أن السكن المشترك هو الخيار المناسب لهم، خصوصاً أولئك الّذين لا يفضلون السكن في المدينة الجامعيّة ويرغبون بالاستقلالية في غرفة منفردة للتمكّن من الدراسة.
بيّنت آمنه "طالبة جامعية" لداما بلاتفورم بأنّها عاشت في السكن الجامعي ثلاث سنوات، إلّا أن تحصيلها العلميّ تراجع بسبب الفوضى والازدحام الشديد في الغرفة الواحدة الّتي تجمع ما يفوق 10 طالبات.
وأضافت آمنه أن للوضع المأساوي الّذي يشهده السكن الجامعيّ سبب كبير في مغادرته، سواءً بالمراحيض الّتي شبهتها "آمنه" ببيوت الجنّ، وواقع الكهرباء السيء.
وتعقيباً على هذا الواقع، أشارت آمنه إلى أنها اتفقت مع زميلاتها على استئجار شقة تتألف من أربعة غرف بحيث تكون لكل واحدة منهن غرفتها والمنافع مشتركة مقابل تقسيم الإيجار بالتساوي، منوّهةً إلى أن الإيجار 600، بحيث كل واحدة تدفع 150 ألف ليرة.
بدورها رأت "رهام" أن السكن المشترك يعد خياراً مناسباً لمن لا يحبون السكن بمفردهم بالإضافة إلى أنه حلٌ للطلاب في ظل ارتفاع إيجار المنازل.
خلف الأبواب:
وكما لكل ظاهرة إيجابياتها التي تمثلت هنا في تخفيف التكلفة وتقاسمها مع الجماعة، لابد أن تحمل وجهاً آخر، برغم أن هذه الظارهرة أتاحت للكثير من الأشخاص الاستقرار وايجاد مسكن وبمبلغ مالي "مقدور" عليه نوعاً ما، إلّا أن آثاره وصعوباته ليست بقليلة أبداً، وأحياناً ليست سهلة.
يروي "سامي" لداما بلاتفورم بأنّه قدم من محافظة دير الزور بدافع الدراسة والعمل في دمشق، ووجد نفسه مجبراً على استئجار غرفة في المزة 86 مع شابين آخرين.
على الرغم من أن الشابين أصدقاؤه في الجامعة إلّا أنّ أسلوب حياتهم مختلف كثيراً، ويتوافد عليهم الزوّار بشكل متكرر وحتّى في ساعات متأخرة من الليل، وهنا بدأت المعاناة تتفاقم تدريجياً، فبرأي "سامي" السكن المشترك لا يملك إيجابيات إلّا تقاسم الإيجار.
ومن وجهة نظر علم الاجتماع، فإنّ نمط الحياة هذا قد تترتب عليه أزمات ومشكلات عدّة، على المستويين القريب والبعيد، إنّ أهم مشكلة قد تتعرض لها العائلات في المنزل الواحد هي فقدان خصوصية الأفراد، نتيجة تشارك نفس المطبخ والحمام ومكان الجلوس، ما يفسح المجال أمام الانكشاف على الآخرين.
وضمن المجتمع السوري المحافظ، قد يشكل هذا “الانكشاف على الآخر” أزمة كبيرة، وبالتحديد بالنسبة للنساء المحجبات، اللاتي يضطررن للعيش مع ابن العم أو زوج الأخت أو أحد الأقرباء، الأمر الذي يقيّد من إمكانية تحرّكهن.
أسباب محرّضة:
إنّ الإيجارات المشتركة لم تظهر إلا منذ عدّة سنوات نظراً لسوء الأوضاع الاقتصادية من جهة وارتفاع أسعار العقارات والإيجارات من جهة ثانية؛ إضافة إلى ذلك فإن شخصاً بمفرده لا يستطيع دفع 700 ألف إيجار شهري في منطقة مخالفات فما بالك أن تكون المنطقة منظمة.
وإن طبيعة الأسعار لم تعد تتناسب مع الإيجارات وخاصة لطلاب الجامعات الذين ينتقلون للدراسة في محافظة أخرى وتكون هذه المرحلة مقترنة بالسكن المشترك أي يتشاركون مع طلاب آخرين بشقة سكنية يتقاسمون إيجارها فيما بينهم بسبب عدم قدرتهم على دفع مبالغ كبيرة شهرية.
وإن أقل قيمة إيجار عقار تتراوح بين 400 ـ 500 ألف ليرة سورية، وهي لغرف لا ترى الشمس وتأكلها العفونة والرطوبة.