في الأمس حدثني صديقي أنه للحظة كان ضحية لمرض نفسي قاتل، إلا أن كأس الماء بجواره أنقذه من المرض والسبب اتصال هاتفي.
في غمار تجارب المواطن السورية اليومية مع تزايد الهموم والمتطلبات وسوء المعيشة ودخولنا شهر الصيام رغم صيامنا فيما سبق شهر رمضان الكريم، قال لي باسل : "بتعرف كنت رح جن بعد ما حكيت مع محمد ابن عمي، فقلت له : وهل السبب محمد ؟
بالنسبة لجواب باسل كان بعض الشيء مضحكاً لأنه لا يخلو من مأساة الحياة التي نعيشها ولا تخلو من روح الدعابة التي تخرج فجأة وهي من عند الله لتخفيف ما نشعر به من ألم، فكان جوابه : "يعني من محمد والاتصالات" وطلبت منه محاولاً التخفيف عنه بالكلام فشرد وسرد.
قال باختصار للمشاعر وليس للكلام : إلى أي وقت سنبقى نمارس الكتمان قسراً في حياتنا، وهذا ليس لأننا ضعفاء، بل لكثرة مانشعر به يومياً، وعندما نقرر الكلام للشخص الذي نرتاح معه، تولد لك مشكلة فوق المشكلات، بحكم أنه غالباً يكون في منطقة غير منطقتك وبالتالي فأنت بحاجة للاتصال به، فيضيع نصف الاتصال على لم اسمعك، حاول الثبات، تحرك، ابحث عن التغطية، تخيل أن تقول وأنت تتحدث عن مشكلة جوهرية قد تتطور إلى حد المرض النفسي: كنت مرهقاً لأنني لم استطع التحدث، أين أنت هل تسمعني ؟ .. في الوقت الذي أنت فيه بالحاجة القصوى إلى من يسمعك، ولكن التغطية تحول بينك وبين الدواء الذي أنت تعلمه أساساً، وبمرور الأيام يزداد الأمر سوءاً، فتصبح بحاجة طبيب، يسألك عن المشكلة فتجيبه : اتصال.
وهنا لعبت دور الطبيب النفسي كما يفعل السوريون حين يقولون لك : "خود حبتين سيتامول" فقلت له : هل كلمت مع نفسك ، فقال ضاحكاً : " نفسي مارضت تقعد معي حتى" وهنا تستغرب كل الخليقة كيف للشاب السوري أن ينجز، وكيف للشاب السوري أن يتحمل كمية الضغط الواقعة عليه، وكيف للشاب السوري أن يتحمل مسؤولية من لا مسؤلية له، وكيف للشباب السوري أن يهتم بمن يحب، سواء حبيب أو صديق، وأن يقوم بصنع النجاح بذاته، والصعود درجة درجة، دون واسطات، رغم أنه من المصعب ذلك وليس مستحيلاً، وعندما يحاول فهم تلك الأمور التي تحتاج إلى أيام لفك العقدة النفسية، يعود إلى الحياة ليجد نفسه بأن هنالك من "زعل" وهنالك من "تناساه" وهنالك من استفقده وهؤلاء قليلون.
عموماً لن يدخل المواطن السوري منطقة الراحة النفسية التي تمكنه من مواجهة ضغوط الحياة وتحقيق الإمكانيات والتعلم والعمل بشكل جيد، حتى تعمل الاتصالات بشكلها الأمثل