مقالات إجتماعية

بين التخصّص والتلصّص.. "السلطة الرابعة" تعاني

post-img

عندما تنظر في سماء الإعلام السوريّ، تلتقط وميضاّ مهتزّاً تغيب فيه أعمدة الحقيقة والمصداقية، تحاصره السخافة من كلّ جانب، متجاوزاً مهارات الصحافة والبحث الدقيق، وفي خضم هذه المأساة يحاولون فرسان هذه المهنة الحقيقية تجديد الأمل وإعادة بناء مهنة تراجعت وتهاوت في غياهب السطحيّة والتفاهة.

بلد المليون إعلامي:

لم نسمع يوماً شخصاً غير مهندس لُقّب ب "مهندس" أو طبيباً مُنح لقب "محامي" أو غيرها من المهن، إلّا مهنة وحيدة في سورية، معروضة للبيع وسط دعاة الشهرة والمشاهير، وباتت سهلة المنال لكلّ من لا مهنة له، متناسين قيمتها وواضعين المجتمع على المحكّ جرّاء الكوارث والآثار الناجمة عن هذه الظاهرة.

الحالة الإعلامية الراهنة في سورية تُعرّف بجملة: لكل مواطن في البلاد مهنتان، مهنته الأصلية والإعلام، إنّها بلد المليون إعلاميّ الّتي انتشرت فيها مهنة المتاعب كالنار في الهشيم في صفوف المواطنين من كلّ الأعمار، وعند سؤال أي شخص عن حلمه يجاوب بلا تردد " الإعلام"، لكنّ الظروف حالت بيني وبينه!

منصات شوّهت المهنة:

 أصبح الإعلام في الآونة الاخيرة وخصوصاً مع بداية الحرب على البلاد مفتوحاً للجميع، وينتسب إليه كلّ من أراد، بغض النظر عمّا يملكه من مؤهلات.

بمجرد التجوّل في أزقة دمشق ستجد مشهداً مريراً تنتشر فيه "كاميرات" ضالة تدعي الاعتلاء الإعلامي، تتجوّل في الشوارع، حاملةً بيدها مقالب ملتوية تطبّقها على المواطنين، تسأل أسئلة فارغة، وتجري مقالب مؤذية، جعلت المواطن يخشى الوقوف أمام الكاميرات الإعلامية الحقيقية الّتي تمارس المهنة بمعناه الحرفيّ، فحالما  وجدوا صحفياً يقترب منهم يفرّون هاربين، فغالبية الأشخاص من هذا النوع أو المنصات يلتحقون بالمهنة لتحقيق أهداف شخصية أو لصناعة اسم أو إشهار شخصيتهم، وحتّى الآن وزارة الإعلام لم تتوقف بإمعان عند هذه المسألة.

إنّها حقيقة احتضنتها منصات مواقع التواصل الاجتماعي لتكشف عن محاولات حثيثة للتغوّل على هذه المهنة والتهام مساحاتها وحقوقها ومسخ أدبياتها الشريفة.

إنّه العالم الرقمي الّذي مهّد الطريق أمام ما يحدث اليوم، الأمر بسيط جداً، فتح صفحة "page" عبر مواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، ونشر إعلانات ممولة لبيع "الهوايات"، ونشر معلومات وأخبار عارية عن الصحة بهدف جمع "اللايكات" و"التفاعلات" و "المشاركات".

كيف تصبح إعلاميّ في شهر؟

يخيّل إليك للوهلة الأولى عند قراءة هذا العنوان "كيف تصبح إعلاميّ في شهر؟" بأنّك تقرأ نصيحة طبيّة لتخفيف الوزن أو التخلص من عادة غير صحية، تُعيد القراءة لتتأكد من وجود كلمة "إعلاميّ"، نعم لم تخطئ في القراءة...إنّها مجموعة من المراكز الّتي تعلّمك الإعلام وتنمي هوايتك مقابل مبالغ مادية باهظة، لتتحوّل بذلك مراكز دورات التدريب الإعلاميّ في سورية إلى "سلعة تجارية".

أفاد "أحمد" لداما بلاتفورم، وهو طالب سنة رابعة في كلية الإعلام، بأنّ معظم هذه المراكز تقوم بخداع الشباب الشغوفين بالإعلام عبر عناوين برّاقة وعمل دعايات وترويج كبير لجذب أكبر عدد ممكن من الطلاب دون تقديم محتوى تدريبيّ حقيقي، مضيفاً بأن هذه المراكز تعتمد على مدربين غير أكفّاء ولا يمتلكون خبرة أكاديمية.

بدورها، أوضحت سناء ل "داما بلاتفورم" بأنها شاهدت إعلاناً عن دورة مراسل تلفزيوني منظمّة من قبل أحد المراكز في دمشق بمبلغ قدره مليون ونصف لمدة شهر، إلّا أن هذه الدورة لم تكن سوى جانب نظري عن مبادئ التقرير التلفزيوني، وكان دور المدّرب فقط هو قراءة بعض الصفحات، مشيرةً بأنها لم تستفد شيئاً.

هل بروتوكول تدريس الإعلام أثرّ على المهنة؟

بعد افتتاح قسم الإعلام في ثمانينيات القرن الماضي وتحوله إلى كلية مستقلة بأربعة تخصصات قبل نحو 10 سنوات، تخرّج المئات من الطلاب، وبعضهم يحملون شهادة الماجستير، وبسبب محدودية عدد وسائل الإعلام في سوريا بقي معظم هؤلاء جالسين في منازلهم ينتظرون أي فرصة للعمل في تخصصهم، بينما فقد آخرون الأمل واتجهوا إلى مجالات أخرى.

وخلال السنوات الماضية، أضيف إلى هؤلاء، آلاف الخريجين من مراكز التدريب الإعلامي، الذين تعرضوا لصدمة سوق العمل، وشعروا بأنهم اشتروا شهادات في "الوهم"، فيما شكل التحاق بعضهم بالعمل الإعلامي "كارثة" مهنية.

بالإضافة إلى أنّ مفاضلة الإعلام لشهادة التعليم الثانوي والتي تعتمدها وزارة التربية تكون بمجموع درجات قليل، فيجد الكثير من الطلاب خيارهم الأول هذا الفرع لسهولة الالتحاق به، وهذا ما يضع المجتمع الإعلاميّ على المحكّ.

وكنتيجة مباشرة لدخول هؤلاء مجال الإعلام، ازدادت انتهاكات المهنة على نحو غير مسبوق، واختلط عمل الصحافي بـ "المحلل" وأصبح رأيه أهم من الحدث، وانحدر الصحافة الفنية إلى مستوى "فانز" الفنانين، وأصبح أقصى طموح الصحافي التقاط "سيلفي" مع فنان أو فنانة.

أما صحافي المحليات، فقد تحول إلى "معقب معاملات" يلمع صور المسؤولين لتسهيل "البزنس" الخاص به، في حين نزع محرر الشؤون الاقتصادية ثوب الموضوعية وارتدى ثوب "سمسار العقارات".

ويبدو مهماً في هذا المقام البحث عن حرّاس المهنة، ويبرز هنا دور وزارة الإعلام لحماية العمل الإعلامي من المتغولين عليه، وتأكيد عظمة وهيبة هذه المهنة، والحد من هذا العبث الذي يتكرر يوماً بعد يوم وبأشكال متنوعة في ساحة التواصل الاجتماعي.

فهل تتحرك وزارة الإعلام لحماية الإعلام والإعلاميين والحفاظ على هيبة المهنة، وقبل ذلك كله حماية المجتمع من أي معلومات ضارة مدفوعة الثمن يبثها حاملو ألقاب "الإعلامي"؟.

راما علبه

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

داما بلاتفورم :

هي رحلة تتجاوز من خلالها الحدود التقليدية للإعلام ، منصتنا الرقمية التفاعلية تُقدم لك برامج متنوعة ومحتوى جريء يُلهم الأجيال الشابة ويستثمر في التحول الرقمي الإعلامي .

 

اكتشف معنا :

محتوى مُبتكر يُقدمه متخصصون في مختلف المجالات الإعلامية ، تجربة مستخدم فريدة تلائم تفضيلاتك.

 

لا تفوت الفرصة لتكون جزءًا من هذه المنصة الرائدة! انضم إلينا الآن وكن على تواصل مع العالم من خلال "داما بلاتفورم".