مقالات إجتماعية

"الفريلانس" خطة النجاة للسوريين

post-img

استنزف الحرب سورية طيلة العقد الماضي، وغيّرت واقعها بشكلٍ جذري. وكأنّ همومنا لم تكن كافية، وجاء انهيار الاقتصاد ليضاعف من معاناتنا، إذ تحوّلت وظائف كانت تؤمّن لنا حياة كريمة، إلى أجور زهيدة لا تسمن ولا تغني من جوع.

 

هكذا، وجد الكثيرون أنفسهم في مواجهة خيارين، إمّا البقاء في وظيفةٍ لا تعود بالنفع عليهم، وإما مغادرة البلد سعياً وراء لقمة العيش.

 

وسط هذا الظلام، بزغ نورٌ أمل غيّر مجرى حياة الكثيرين، ألا وهو العمل الحُر أو ما يُعرف "بالفريلانس".

 

وجد هؤلاء ضالّتهم في هذا المجال الواعد، إذ تتيح لهم وظائفه فرصة كسب دخل بالعملات الأجنبية، فينعمون بحياةٍ أفضل بكثيرٍ مما لو بقوا تحت رحمة أرباب العمل المحليين، وبفضله، أتيحت الفرصة أمام الشباب لإيجاد بديل واعد قادر على إعادة الأمل.

 

كما أن الانخراط في هذا المجال يوفر بديلاً أفضل نسبياً لهم، لإعالة أنفسهم وعائلاتهم، في ظل غياب فرص العمل في القطاعات المحلية.

 

وبالتالي يلجأ الكثير للعمل عبر منصات التواصل الاجتماعي والإنترنت لتأمين مصدر دخل ثابت، فمنهم من يوظف مهاراته في التصميم والبرمجة والترجمة والكتابة والتسويق الإلكتروني أو التدوين وغيرها، ومنهم من يطلق مشاريع صغيرة عبر الإنترنت في مجالات متنوعة.

 

ورغم تدني الأجور مقارنةً بالمعدلات العالمية، إلا أنها لا تزال أعلى بكثير من الرواتب المحلية، والتي لا تكفي في كثير من الأحيان لتغطية الاحتياجات الأساسية.

تتميز هذه المهن بعدم وجود قيود أو أنظمة تحد من إبداعات وطموحات الشباب، بالإضافة إلى إتاحة المرونة التامة في تحديد ساعات وأوقات العمل بما يتناسب مع احتياجات ورغبات كل فرد.

كما أن انتشار وسائل التواصل والإعلانات الإلكترونية سهل الوصول إلى العملاء والترويج للسلع والخدمات بتكلفة منخفضة، ما ساهم في نمو هذا النوع من الأعمال الحرة وازدهاره.

 

ومن أبرز المجالات التي تزايد الطلب على تعلّم مهاراتها مؤخراً، مجال التسويق الرقمي والتسويق عبر منصات التواصل الاجتماعي، التحليل الإحصائي، التصميم الجرافيكي، المبيعات وخدمة العملاء، وتصميم المواقع الإلكترونية والألعاب، فيما يأتي في مقدمة هذه التوجهات اكتساب مهارات الكتابة المختلفة مثل: كتابة المحتوى، الكتابة الصحفية، والتحرير.

 

لا تشترط معظم الوظائف عبر الإنترنت حيازة الطالب على شهادة جامعية في التخصص ذاته، بل يكتفي أرباب العمل غالباً بإتقانه لمهارات العمل من خلال التدريب العملي والحصول على شهادات مهنية تؤهله للبدء في سوق الوظائف الرقمية واكتساب الخبرة.

 

وبمجرد تراكم الخبرة، يستطيع الشباب تطوير مهاراتهم وتحسين سيرهم الذاتية بشكل يعزز فرص حصولهم على وظائف أفضل مستقبلاً.

 

وهكذا، يلجأ الكثير من طلاب الجامعات إلى التدريب العملي والانخراط في سوق الوظائف المرنة عبر الإنترنت كحل يلبي احتياجاتهم المادية ويفتح آفاقاً واعدة أمام مستقبلهم المهني، ونجح بفرض نفسه كخيار مثالي بين صفوف هذه الفئة العمرية.

 

إلا أن العائق الأبرز أمام نجاح مثل هذه المشاريع يبقى صعوبة الحصول على رأس المال اللازم لبدء العمل، في ظل انكماش الاقتصاد وتردي العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية.

 

ولا شك أن العمل كفريلانسر في سورية يواجه الكثير من التحديات في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد جراء الحرب والأزمة الاقتصادية.

فمن أبرز المعوقات التي تواجه رواد الأعمال السوريين و"الفريلانسرز" بشكل خاص، عدم الاستقرار السياسي والأمني في بعض المناطق، إلى جانب ضعف بنية الإنترنت وتوفر الطاقة والكهرباء، وصعوبة نقل الأموال من المواقع الإلكترونية العالمية إلى داخل البلاد بسبب العقوبات، كما تُعد مشكلة التضخم وتدني قيمة الليرة السورية من التحديات الأساسية، حيث يصعب التنبؤ بإيرادات المشروع وتقدير تكاليفه بشكل دقيق، ما يحد من قدرتهم على إتمام مهامهم، بينما تفتقر الغالبية إلى الخبرة في مجال التسويق والتسعير، مما يزيد من صعوبة في تسعير خدماتهم ومنتجاتهم.

 

فيما تطفو مشكلة تحويل الأموال واستلام المستحقات المالية نتيجة العقوبات الدولية، فيلجأ البعض إلى خلال استخدام حسابات مصرفية للأقارب في الخارج.

 

وشهدت السنوات الأخيرة ظهور ما يُعرف بـ "تسول الأجور" في سوق العمل الحر والفريلانس، حيث يتنافس المئات من الشباب السوري على مشاريع بأجور متدنية للغاية، في محاولة منهم لتأمين مصدر دخل ثابت لهم وسط الأزمة الخانقة.

 

وتفاقمت ظاهر "الإغراق التجاري" بشكل كبير بين "الفريلانسرز" هو حالة من التمييز في تسعير منتج ما، في سبيل الفوز بالعقد وسط تزايد أعداد المنافسين، وهو ما أدى بدوره إلى تراجع متوسط الأجور بشكل عام، وصعوبة المطالبة بحقوق أفضل.

 

رغم ما تزخر به سورية من كفاءات شابة في مجالات متنوعة، إلا أنهم ما زالوا يعانون من تهميش دولي كبير يحد من فرص عملهم وتطوير مهاراتهم.

 

ففي الوقت الذي يتمتع فيه مئات الآلاف من الشبان العرب حول العالم بفرص للعمل الحر عن بُعد مع شركات ومنصات دولية، يبقى "الفريلانسرز" السوريون خارج دائرة الاهتمام، بحجة صعوبات التعامل المالي معهم، أو انعدام الثقة بالبيئة العملية في البلاد.

 

وبطبيعة الحال فإن هذا الاتجاه نحو العمل الحر يواجه بعض المعوقات، كعدم القدرة على الحصول على المواد الخام جراء ارتفاع الأسعار، وصعوبة تسويق المنتجات والخدمات في السوق المحلي، ومحدودية فرص التمويل ورأس المال اللازمين لإقامة المشاريع. 

إلا أنه وبالرغم من كل ذلك، ما زال العمل الحر يشكل بديلاً جذاباً للشباب السوري، خاصةً مع تزايد اعتمادهم على منصات التواصل الاجتماعي والتسويق الإلكتروني للتغلب على بعض هذه التحديات.

 

من المؤكد أن اتجاه الشباب نحو العمل الحر وريادة الأعمال سيستمر بالتصاعد في المدى المنظور، كونه يوفر لهم المرونة والاستقلالية وفرصة تحقيق ذاتهم وإثبات وجودهم اقتصادياً.

 

ويُعدّ اللجوء إلى العمل الحر عبر الإنترنت أحد الحلول المؤقتة في ظل الأزمة الراهنة، ومع ذلك، فإن هذا البديل ليس سوى مجرد ضمادة موضعية، طالما ظل الاقتصاد السوري غارقاً في دوامة الركود والبطالة.

فهل سينجح في فرض نفسه كبديل مستدام للشباب السوريين أم أنه مستمر بكونه مجرد حل مؤقت؟

 

مادة: هديل حسام الدين 

مقالات ذات صلة

داما بلاتفورم :

هي رحلة تتجاوز من خلالها الحدود التقليدية للإعلام ، منصتنا الرقمية التفاعلية تُقدم لك برامج متنوعة ومحتوى جريء يُلهم الأجيال الشابة ويستثمر في التحول الرقمي الإعلامي .

 

اكتشف معنا :

محتوى مُبتكر يُقدمه متخصصون في مختلف المجالات الإعلامية ، تجربة مستخدم فريدة تلائم تفضيلاتك.

 

لا تفوت الفرصة لتكون جزءًا من هذه المنصة الرائدة! انضم إلينا الآن وكن على تواصل مع العالم من خلال "داما بلاتفورم".