بينما تَحكم الدمار والصراع السياسي بساحة الأخبار في سورية، يخوض الصحفيون الشجعان معركة مختلفة تماماً، يسعون لتحطيم قيود المؤسسات الإعلامية التقليدية، وتجاوز حدود الخطر المتربص بهم، تاركين وراءهم الراحة والاستقرار الوظيفي.
تتجه الصحافة السورية نحو حقل جديد، حيث يصبح العمل "كفريلانس" الخاص بالصحفيين السوريين نموذجاً تحررياً مدهشاً يحقق رغبتهم في نقل الحقيقة والصوت المكتوم، وتسليط الضوء على القصص التي لا يمكن إخفاؤها.
وفي عالم مليء بتحديات الصحافة ومتغيراتها المستمرة، تستمد الروح الإبداعية والشجاعة من حيث لا تتوقع، في ظل الظروف الصعبة التي يواجهها الصحفيون في وطنهم، يظهرون قدرات استثنائية عبر طريقة فريدة من نوعها لممارسة مهنتهم، فهم يستقلون عن المؤسسات الإعلامية ويتجهون إلى العمل "كفريلانس" بروح حرية تجاوزت كل الحدود.
حرية المهنة وتحقيق الذات:
"الفريلانس" هو نمط عمل يشير إلى العمل الحر والاستقلالية المهنية، حيث يعمل "الفريلانسر" بشكل مستقل ويتعاقد مع العملاء والشركات لتقديم خدمات محددة. يمكن "للفريلانسر" أن يكون فرداً مستقلاً يعمل بمفرده، أو يمكن له التعاون مع فرق عمل صغيرة لإنجاز المشاريع المشتركة.
صوت المجتمع في عصر التحول الإعلامي:
على مرّ التاريخ، اُعتبرت الصحافة ركيزة أساسية في بناء الديمقراطية والتوعية العامة، لكن مع تزايد التحديات التي تواجه الصحافة التقليدية، يبحث الصحفيون عن وسيلة للتعبير عن أنفسهم بحرية ومرونة، هنا يبرز دور الصحافة الاستقلالية "كفريلانس"، حيث يتمكن الصحفيون السوريون من تحقيق رؤيتهم الشخصية وتغطية القضايا التي تهمهم بشكل أعمق وأكثر تفصيلاً.
إذ عندما يتعلق الأمر بالصحافة، فإن القصص الشخصية والمعاناة اليومية للصحفيين تلتقي مع قوة الكلمة، لتخلق صوراً حية في أذهان القراء، إنهم عمال الحقيقة الذين يكافحون لكشف الحقيقة وتسليط الضوء على الظلم والفساد في العالم.
في عالم يتسم بالتغير السريع والتحديات الاقتصادية، أصبحت الوظائف الصحفية الثابتة أقل استقراراً وأكثر تحدياً.
وبالتزامن مع عصر الاعتماد الكبير على وسائل الإعلام الاجتماعية وتطور التكنولوجيا، يشهد العالم تحولاً ثقافياً ومهنياً في صناعة الصحافة، تتحدّى الأصوات المستقلّة النظام القديم والقيود المفروضة على الحرية لتخلق القدرة على صنع التغيير بطرق جديدة وجريئة.
استقلالية وفرص جديدة:
تعد الصحافة المهنة الراسخة التي تعمل على نقل الأحداث وتوفير المعلومات للجمهور، وفي سورية، يواجه الصحفيون تحديات هائلة نتيجة للظروف السياسية والاجتماعية المتقلبة، واحدة من الاتجاهات الملحوظة في العمل الإعلامي السوري هي اتجاه الصحفيين نحو العمل المستقل.
تتسم مؤسسات الصحافة الرسمية في سورية بمحدودية فرص العمل، عدا عن أن المردود المالي للعاملين في تلك المؤسسات ليس مجزياً بما يكفي، ما يدفعهم لاستكشاف أفق جديد في العمل الحر كبديل مربح.
وتعتبر سهولة العمل من المنزل أحد العوامل المهمة التي تدفع الصحفيين السوريين لخوض غمار هذه المغامرة، في ظل التكنولوجيا المتقدمة وتوافر الاتصالات عبر الإنترنت، أصبح بإمكانهم إنجاز عملهم من أي مكان، مما يتيح لهم المرونة والكفاءة في إدارة وقتهم.
يُمنح الصحفيين الحرية والمرونة لممارسة مهنتهم بطرق جديدة ومبتكرة، فهم ليسوا مقيدين بتوقيتات العمل الثابتة أو بنظام الهرم الإعلامي التقليدي، يمكنهم اختيار المواضيع التي يغطونها، والعمل مع مؤسسات إعلامية مختلفة، وتطوير أساليب كتابة متنوعة تتجاوز القيود التقليدية للصحافة المؤسسية، إلى جانب التعبير عن آرائهم والعمل على المواضيع التي يرونها مهمة دون تدخلات خارجية.
يتيح العمل الحر رفاهية العمل مع عدة عملاء ومؤسسات ووسائل إعلام مختلفة، وشركات، ومؤسسات غير ربحية، ومدونين، وآخرين ، ما يعني التعرف على مجموعة متنوعة من الأفكار والمنظورات، ويوسع شبكة علاقاتهم المهنية والتعرف على أشخاص جدد في صناعة الإعلام.
وباتت ظروف العمل الصحفي تتطلب من الصحفي التقليدي أن يلم بمهارات "الفريلانس"، أي يتحتم عليه أن يكون قادر على تنظيم نفسه وإدارة مشاريعه الخاصة، بالإضافة إلى اكتساب مهارات التسويق الذاتي وإدارة العلاقات مع العملاء، هذا التحول في طبيعة العمل يدفع العاملين للتفكير في العمل الحر إلى جانب العمل في المؤسسة التي ينتمون إليها.
علاوة على ذلك، تعتمد العديد من مؤسسات العمل على صحفيين فريلانس لتلبية احتياجاتها الإعلامية، إذ تكون مهتمة بالاستفادة من خبرة تكنولوجيا الصحافة الحديثة والمرونة التي يوفرها العمل الحر، ما يتيح للمؤسسات الاستفادة من خبرات متنوعة ومهارات متعددة تتوافق مع احتياجاتها الفردية، تعاونٌ فعال يرمي بظلال فوائده على الطرفين، حيث يتمكن الصحفيون من العمل في مجالات مختلفة وتحقيق دخل إضافي، بينما تتمتع المؤسسات بمرونة في التكيف مع التغيرات السريعة في سوق الإعلام وتخفيف الأعباء المالية عليها.
بشكل عام، يمكن أن يكون للصحافة الحرة والمستقلة دور بارز في تطوير المشهد الإعلامي في سورية وتعزيز صوت المجتمع في ظل التحول الإعلامي الذي يشهده العالم.
قيود قانونية ونقص الاعتراف الصحفي:
تواجه مهنة الصحافة في سورية تحديات هائلة، ولا سيما بالنسبة للعاملين بشكل مستقل خارج إطار المؤسسات الإعلامية التقليدية.
أحد أبرز التحديات التي يواجهونها تتعلق بالتشريعات والقوانين التي قد تكون "قمعية" وتفرض قيوداً على حرية التعبير وحق الصحافة، كما تعقيدات الحصول على تصاريح وتراخيص رسمية لمزاولة مهنتهم، ما يجعلهم عرضة للمضايقات القانونية.
يجابهون تحدياً آخر وهو عدم الاعتراف الرسمي بمساهمتهم في صناعة الإعلام وغياب الهيئات الاتحادية التي تمثل مصالحهم، وغالباً ما يفتقدون الدعم المهني والحماية القانونية التي تتيحها الاتحادات الصحفية لأعضائها.
كما ضعف الدعم المالي والموارد المتاحة لهم، إذ من الصعب عليهم تأمين دخل مستقر ومناسب لتغطية تكاليف حياتهم اليومية والمهنية، وقد يفتقدون أيضاً إلى وسائل التدريب والتطوير المهني التي توفرها المؤسسات الإعلامية التقليدية.
في زمن الانترنت والتكنولوجيا الرقمية، أصبحت البيانات الشخصية عرضة للانتهاك والاستغلال. يتعرض الصحافيون السوريون للخطر من قبل الأطراف التي تسعى لإسكات أصواتهم وإخفاء الحقائق التي يكشفونها، لذلك، فإن ضمان الخصوصية يصبح أداة حماية حيوية لهؤلاء الصحفيين.
في رحاب الكلمة المستقلة:
في رحاب الكلمة المستقلة، يمكن للصحفيين المستقيين أن يعملوا بأمان ويحموا أنفسهم في بيئة صحفية متغيرة ومحفوفة بالمخاطر، عن طريق اتخاذ الاحتياطات اللازمة واتباع الممارسات الأخلاقية والتواصل مع الجهات المعنية، لتحقيق التوازن المثالي بين الشجاعة والسلامة.
ومع ذلك، يجب أن نذكر أن العمل الصحفي ذو طبيعة تنطوي على مخاطر محتملة، وأن الحماية الكاملة لا يمكن تحقيقها بشكل مطلق، لذا، عليهم أن يدركوا المخاطرة المتربصة بالمهنة وأن يتبعوا تقييماً دقيقاً للمخاطر واتخاذ القرارات الملائمة لحماية أنفسهم.
على الرغم من التحديات، تبقى الكلمة المستقلة أحد الأدوات القوية في نشر الحقائق وإلقاء الضوء على القضايا الهامة والمساهمة القيمة في تحقيق الشفافية والعدالة.
مادة: هديل حسام الدين