بعد 13 سنة من الحرب على سورية وانقلاب الموازين الفكرية والاقتصادية والمعيشية، يضع أغلبية الناس قطعة من القماش يحجبون فيها رؤية الواقع، لتبقى تلك الأفكار متعلقة بتفاصيل صباهم، وحتى لو ذاقوا مرارة العيش حالياً، إلا أن لا شيء ينجي الشباب اليوم من جملة "لما كنت بعمرك كان عندي ولاد".
من الطبيعي لشخص عاش في ثلاثينات القرن الماضي أن يكون عمره لا يتجاوز الـ 25 عاماً ولديه طفل وبالواقع أطفال، لإن لا هم لديه، فالغذاء من الأرض، والمياه من الأنهار، والحطب بكثافة للتدفئة والطبخ، حتى الروابط الأسرية كانت وثيقة أكثر من اليوم، وغرفة واحدة تسع لعشرة أشخاص، وبوقت لا كهرباء فيه ولا إنترنيت، ولا إنارة ولا أي وسيلة للتطور والتسلية، ما عليه سوى الإنجاب فقط، ليختتم مسيرة الحياة المبكرة في عمر العشرينات.
واليوم يحمل الشباب هموماً كثيرة، ليضيف أصحاب الجيل القديم هم الزواج محملاً إياه غصباً عنه، بالوقت الذي يتناسى الشباب ذلك التفصيل، فلا الحلم تحقق ولا الاستقرار وصلنا إليه، فهل يريد المجتمع مني أن أتزوج لاستقر؟ وفي وقت كان كل شي ء مؤَمناً على صعيد الغذاء ونوعاً ما على السكن، فعادات الأمس كانت تقتضي بالزواج والإنجاب ومن ثم الاستقرار، وأما اليوم فلا زواج ولا إنجاب بلا استقرار، وفي الوضع الحالي والظروف الراهنة أن تكون أعزباً فهي نعمة.
"أيمت بدنا نفرح فيك":
هل الفرحة مرتبطة فقط بالزواج ! يعني لا يعنيهم التخرج من الجامعة والعمل الجديد والإدارة والمنصب والجوائز أو أي إنجاز على صعيد الشخص الذي أمضى فيه وقتاً لا يستهان به ؟ على أي حال، عامل تحديد الوقت بالنسبة لفرحة الزواج، مرهون بالتطورات على الصعيد الشخصي، والخطة الموضوعة للانتقال من وضعية اللا مستقر إلى وضعية المستقر، قد يستغرق ذلك التغيير وقتاً إلى سن الـ 40 وما فوق، ولكن الجواب بالنسبة للسؤال الجوهري يكمن في "لم يكتب الله لنا بعد" أو من باب السخرية على السؤال " يلا انشالله هانت".
"شو ناقصك..عندك بيت أهلك":
وبالعودة إلى خلط الجيل القديم بالحديث، يكرر القدامى جملة " شو ناقصك.. عندك بيت أهلك" مع أن البيت هو المشكلة الأكبر والأساسية، لكن المشكلة في قناعاتهم الثابتة بالنسبة لموضوع "بيت الأهل" وأنه مكان يمكن أن تنطلق منه إلى عش العائلة.
منزل العائلة مهما بلغت أهميته النفسية والمكانية، إلا أنه يبقى مكان لاجتماعات العائلة وليس لاستقرار الشباب، ماذا لو كان هنالك أكثر من شاب بالعائلة ؟ هل يتزوج الجميع في البيت؟ وحينها أين تكمن خصوصية الزوجين؟ وحياتهم المستقلة؟ وحقيقةً مهما بلغ الأهل من التسامح والعفة والهدوء وكذلك "الكنّة" إلا أنه لن يدوم طويلاً وهذا ليس لأن أحدهما سيء بل لأن في المعاشرة تتغير جميع الأفكار والعادات وغيرها، والزمن يكشف لك ما كان مستوراً.
وفي الحديث عن "شو ناقصني" فالحمدلله لا ينقصني سوى حياة هنية أعيشها بسلام لأتزوج، وأساسا خيارات أن يبقى الشباب في الوطن أصبحت ضئيلة، وتغيرت من كنا نسافر لشراء المنزل، إلى نبيع المنزل حتى نسافر.
"تزوج وجيب ولد وبتجي رزقتو معو" :
منطقياً أي رزق وسعر "الفوط" بأقل تقدير 40 ألف، وأساساً حتى لو تم الزواج فكرة الولد بهذه الظروف، مجحفة بحق الطفل ذاته، إن لم يكن وضع الأسرة يسمح بذلك، وبالعودة إلى أهل أول، لم يكن لديهم مهنة سوى الإنجاب، حتى تكاد في كل عائلة ترى 10 "خالات" و 10 "عمات".
أما من يتبع هذه المقولة "دينياً" تقول الآية الكريمة في القرآن الكريم " ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم " وهنا من فسر الآية على كيفه، فوضع غير المقصود مع المقصود، وفي زماننا هذا أيعقل أن يحب الله أن تأتي بطفل لا تستطيع اطعامه؟ وهنا لا نشكك في قدرة رب العالمين لا سمح الله، فنحن قوم يؤمن ومؤمن، لأن هذه الآية نزلت على قوم غير قومنا وزمان ومكان غير زماننا ومكاننا، لكن بنفس اللحظة خلقنا الله بعقل حتى نفكر وليس لنمشي عن ظهر قلب في حياتنا " اعقلوا وتوكلوا".
إعداد : غدير إبراهيم