مقالات اقتصادية

الذهب الأسود يهجر مياه البحر الأحمر

post-img

أهم طرق الملاحة في العالم الّذي يربط إفريقيا وأسيا وأوروبا ببعضهما، ويمّثل شرياناً ملاحياً ذا أهمية استراتيجية دوليّة، غيّر خريطة النفط العالمية، وهجرته حركة الملاحة بنسبة تقارب ال 40 في المئة، ليصبح اليوم أحد أكبر المسببات لأزمة جديدة تضاف لأزمات الاقتصاد العالمي.

تغيُّر خارطة النفط العالمية:

أجبّرت الاضطرابات الّتي يشهدها البحر الأحمر في الآونة الاخيرة بوارج النفط العالمية أن تغيّر خريطتها ومساراتها إلى طريق رأس الرجاء الصالح في جنوب إفريقيا بدلاً من عبور قناة السويس، وأن تسلك مسارات وطرق ملاحية قديمة، ليزيد زمن الرحلة أسبوعاً كاملاً مع قطع مسافة إضافية تصل إلى 3500 ميل بحري، ما أدّى إلى ارتفاع تكاليف التأمين ورسوم الشحنين الجوي والبري.

بصدد آخر وبحسب وكالة "بلومبيرغ"، تسببت الأزمة في ظهور سوقين رئيسيين للنفط في العالم، حيث تمركزت منطقة تجارية حول حوض الأطلسي وتشمل بحر الشمال والبحر الأبيض المتوسط، ومنطقة أخرى تشمل الخليج العربي والمحيط الهندي وشرق آسيا.

ولا يزال هناك نقل للنفط الخام بين هذه المناطق – عبر الرحلة الأطول والأكثر تكلفة حول الطرف الجنوبي لأفريقيا – ولكن أنماط الشراء الأخيرة تشير إلى انفصال السوقين.

تقاسم الأسواق وتحوّل المسارات:

تقليدياً، كانت أوروبا تعتمد بشكل كبير على نفط الشرق الأوسط، خاصة بعد حظرها استيراد النفط الروسي، لكن حركات الشراء الأخيرة، التي رصدتها وكالة "بلومبرغ" تشير إلى تركيز أوروبا خلال الشهر الماضي على نفط من بحر الشمال "النرويج" وغيانا والولايات المتحدة، مع تقلص الواردات من العراق على سبيل المثال.

فيما تشير التقارير أيضاً إلى زيادة وتركز الطلب في شرق آسيا على النفط من غربها، حيث تزايد الطلب على خام مربان من أبوظبي، مع انخفاض التدفقات من من كازاخستان إلى آسيا بشكل حاد.

وفي الوقت نفسه، انخفضت شحنات النفط الخام من الولايات المتحدة إلى آسيا بأكثر من الثلث الشهر الماضي مقارنة بشهر ديسمبر (كانون الأول)، حسبما تظهر بيانات تتبع السفن من شركة «كبلر».

المسارات الجديدة تثير مخاوف بيئية:

ويتعيّن -حالياً- على السفن التي تحمل النفط الخامّ من آسيا إلى أوروبا أن تدور حول الطرف الجنوبي لأفريقيا بدلًا من عبور قناة السويس، وهذا ما يزيد أوقات الرحلات بمقدار الثلث أو أكثر، ويؤدي إلى زيادة متناسبة في استعمال الوقود والانبعاثات، بحسب وكالة رويترز البريطانية. 

ويشير تقرير حديث إلى أن شركات الشحن قد تواجه أكثر من 5 أضعاف الزيادة في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون لكل حاوية يجري شحنها. 

في هذا السياق، تمكن الباحثون في شركة "سي-إنتليجنس" الاستشارية الدنماركية من قياس التلوث الإضافي على أساس كل حاوية نمطية في دراسة جديدة تأخذ في الاعتبار مسافات الإبحار الأطول، فضلاً عن زيادة السرعات، وانبعاثات السفن الصغيرة التي تسلك الطريق البديل عبر رأس الرجاء الصالح.

وخلّصت الدراسة إلى أن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون لكل حاوية نمطية يمكن أن ترتفع بين 31 و575%.

وهذا ما يفاقم مؤشر كثافة الكربون الخاص بالسفينة، وبدوره يشكّل كارثة بيئية عالمية في المناخ، وكلّه يصبّ في ضرب الاقتصاد العالمي وزعزعة أسسه.

التأثير على أسعار النفط:

تؤثر هجمات البحر الأحمر على أسعار النفط من خلال ارتفاع تكاليف النقل، مما يشجع مصافي التكرير على التوجه للأسواق القريبة حيثما أمكنهم ذلك.

وهذا ما دفع الكثير من المحللين والخبراء إلى توقع أن تشهد أسعار النفط ارتفاعاً كبيراً خلال الفترة المقبلة.

وبالفعل، ارتفعت أسعار النفط بنحو 7% منذ بداية العام الحالي 2024 وذلك بسبب تصاعد المخاوف بشأن الإمدادات من الشرق الأوسط، والضغوط التي تشهدها أسواق الطاقة العالمية.

وبحسب تقرير نشره موقع "أويل برايس" المتخصص بأخبار الطاقة، إن اضطرابات الشحن في البحر الأحمر وعبر قناة السويس تؤدي إلى رفع أسعار الخامات الإفريقية والأميركية، إضافة الى رفع أسعار الديزل في أوروبا.

 فإلى أين سيتجه الاقتصاد العالمي بعد أن تغيّرت مسارات تصدير النفط ونقله، وهل يُتوقع أن تتعاون الدول المعنية لإيجاد حلول جماعية لتحدّي تحوّل مسار النفط وتعزيز الأمان والاستدامة في المنطقة؟

راما علبه

مقالات ذات صلة

داما بلاتفورم :

هي رحلة تتجاوز من خلالها الحدود التقليدية للإعلام ، منصتنا الرقمية التفاعلية تُقدم لك برامج متنوعة ومحتوى جريء يُلهم الأجيال الشابة ويستثمر في التحول الرقمي الإعلامي .

 

اكتشف معنا :

محتوى مُبتكر يُقدمه متخصصون في مختلف المجالات الإعلامية ، تجربة مستخدم فريدة تلائم تفضيلاتك.

 

لا تفوت الفرصة لتكون جزءًا من هذه المنصة الرائدة! انضم إلينا الآن وكن على تواصل مع العالم من خلال "داما بلاتفورم".