مقالات اقتصادية

سوريا..الآباء يأكلون التضخم و الأبناء يدفعون!

post-img

لو كنت أباً لأبناء كثر و تملك مالاً أقل مما ينبغي لإطعامهم، سمعتك مشوّهة و محاولاتك فاشلة دائماً _أو سلفاً _ ، تكرر حلولك عند كل مشكلة تصادفها ، تستمع بآذان تسدّها الأعذار لشكوى أبنائك المتكررة و حلول النابغين منهم.

كأب تتحمل معظم المسؤولية ستختار واحداً من نمطين لا ثالث لهما، الأول هو أن تسعى جاهداً للبحث عن عمل إضافي ناجع يزيد من دخلك، والثاني هو أن تلجأ للتقتير و التقصير و تقلل المصروفات، بأن تلغي وجبة العشاء مثلاً _إن كنت تعتمدها أساساً_ و تمنع فتاة من الذهاب الى المدرسة، تشعل المدفأة عند المنخفضات القاسية، تتخلى عن المكدوس و المخلل، و تنجب أطفالاً أكثر بحثاً عن "رزقة" معلّقة بالحبل السري ربما.

إذا استقام أن نعتبر الحكومة أباً و نحن الأبناء، فهي تعتمد نموذج الأب الثاني في التعاطي مع أزمتها الاقتصادية المستمرة منذ سنوات و ربما من عقود.

 

آخر الطب .. "ترشيد الاستهلاك"

بأكتاف محنية و عيون مغرورقة بالخذلان و صوت يعروه التردد يعيد المسؤولون السوريون على مسامع "أبناء الوطن" و عبر وسائل الاعلام ذريعة العقوبات التي تجعل من اقتصادهم متهالكاً، و لنفترض أن هذا هو السبب الوحيد _و ندّعي تصديق ذلك_ فنحن متفقون على أن هذا الاقتصاد يحتاج اقتصاداً جديداً وأن ما وصل اليه حال السوريين المعيشي يرقى لمرتبة مجاعة خجولة، و أصبحت الاموال تقاس بالوزن و التضخم بلغ الزبى.

يتضح من ممارسات الحكومة التي تعيد نفسها بأن اللجوء إلى ترشيد الاستهلاك هو المخرج الوحيد عبر إجراءات رفع الدعم عن الفئات المختلفة من المجتمع بالإضافة الى السلع و الخدمات التي لم تعد مدعومة إن توفرت أساساً.

خبراء كثر يقولون إن الصحيح الذي يصح هو العمل على زيادة الإنتاج _نمط الأب الأول_ و توفير بيئة استثمارية جيدة بما فيها من قوانين ومرونة تتيح للراغبين بالإنتاج بأن ينتجوا.

خطوات لا بد منها

عادة نضع الأموال في جيبنا عند الذهاب إلى السوبر ماركت لشراء أغراض نعود بها بأكياس، أما اليوم فنحن نحمل الأموال في أكياس لشراء حاجيات تتسع في الجيب، إنه التضخم.

يواجه التضخم بطرح فئات نقدية أعلى أو بتقليل عمليات دفع "الكاش" بالاعتماد على الالكتروني و هذا ما تتجه اليه الحكومة متناسيةً أن اللجوء الى الكريدت كارد  _ المعتمد لدى دول عدة منذ أكثر من ربع قرن_ يحتاج الى أدوات و وسائل تقنية عالية الجودة بالإضافة الى أجور و رواتب عالية، ناهيك عن ثقافة عامة و قبول مجتمعي لمسألة تحتاج أجهزة ذكية لدى الجميع و كهرباء متوفرة و إنترنت متاح (هل نذكّركم بجمركة الموبايل!).

"مئة ألف" حل ..

اقترح الأستاذ في كلية الاقتصاد د.علي كنعان لوسيلة اذاعية محلية طرح عملة نقدية من فئة الـ100 ألف ليرة، مؤكداً أن الواقع الاقتصادي في سورية يحتاج لطرح فئات أعلى من 10 آلاف ليرة.

وقال كنعان إن طرحها لن يؤثر على قيمة العملة لأن قيمتها لا ترتبط بالأوراق النقدية، وإنما بحجم الإنتاج، الاستيراد والتصدير، والحوالات المصرفية، لأن التضخم حاصل ومدفوعات الناس كبيرة، قائلاً: "بحال شراء منزل، أو بضاعة بقيمة 5 مليارات، فالشاري بحاجة سيارات لنقل المال".

وأوضح أن حجم الطلب على النقود في الاقتصاد السوري كبير، وكلما ازداد حجم المعاملات ازداد الطلب عليها، في ظل عدم وجود نظام مصرفي يستقبل ويعطي للمودعين المبالغ اللازمة، باعتباره حدد قيمة المسحوبات اليومية، ما دفع الكثير من التجار على الإحجام عن التعامل معها واعتماد نظام دفع "الكاش".

في سياق متصل قال الأستاذ في كلية الاقتصاد إن متوسط الأجور الشهرية يجب أن يكون 10 مليون ليرة، مقارنة بما كان عليه قبل الأزمة، ما يعادل 600 دولار، أي 30 ألف ليرة سابقاً، مع الأخذ بالحسبان تكاليف المعيشة من غذاء، ألبسة، وأدوية.

وأكد كنعان أن رفع الأجور هو أمر ضروري، والحكومة قادرة على ذلك ولكن لديها تخوف، مشيراً إلى أن كتلة الرواتب في سورية حوالي 2,8 ترليون، يمكن زيادتها لتصبح 6 ترليون، ومضاعفة الأجور 100%.

 

و عليه، فإن اعتماد الحلول بشكل قطعي دون تهيئة مناخ مناسب لتحقيق الفائدة المرجوة منها من شأنه أن يفاقم المشكلات، و التخلص من عقلية الترشيد تسهم في زيادة الانتاج الذي أصبح من الواضح جداً أنه "أبو الحلول"، وأن عقلية الأب الأول الذي يسعى لزيادة الدخل لإطعام أبناءه هي الأنجع، و لا بد من سماع شكواهم و مساعيهم و مقترحاتهم.

 

مقالة: عدي منصور

مقالات ذات صلة

داما بلاتفورم :

هي رحلة تتجاوز من خلالها الحدود التقليدية للإعلام ، منصتنا الرقمية التفاعلية تُقدم لك برامج متنوعة ومحتوى جريء يُلهم الأجيال الشابة ويستثمر في التحول الرقمي الإعلامي .

 

اكتشف معنا :

محتوى مُبتكر يُقدمه متخصصون في مختلف المجالات الإعلامية ، تجربة مستخدم فريدة تلائم تفضيلاتك.

 

لا تفوت الفرصة لتكون جزءًا من هذه المنصة الرائدة! انضم إلينا الآن وكن على تواصل مع العالم من خلال "داما بلاتفورم".