مقالات متنوعة

أمراضٌ تفتكّ لأقصاها

post-img

ما إن بدأت المقاومة الفلسطينية طوفان الأقصى على الكيان الإسرائيلي، تدحرجت حبّات العقد الصهيوني الّذي رُبط لعقود حول أعناق الفلسطينيين، لتُكسر شوكته وتتبدّد أسطورته الزائفة وتتحوّل من "الجيش الذي لا يقهر" إلى "الجيش الذي يتقهقهر" على أعتاب الأسلحة البسيطة التي كانت بيد الفلسطينيين أمام الأسلحة القوية الّتي زودها بها الحارس الأمين "أميركا وأوروبا" لإسرائيل، فللمعارك رجالها ولساحات القتال أهلها، لكنّ ما يبدو جليّاً أن الصهيونية لا تفقه شيئاً عن المباغتة والطوارئ، ما إن يشعر جنودها الجبناء والمهزومون نفسياً بالخطر يفرّون هاربين إلى أحضان نسائهم كي يتعلمون منهم القليل من الرجولة.

يعود إحدى جنود الاحتلال الإسرائيلي متكئاً على كتف زميله، من الواضح أن قدمه حملت ذنوب عدوانه وبطشه، لا يقوى على السير بعد أن أمضى ساعات طويلة متأهباً ومستنفراً أمام مقاومة زرعت بداخله الرعب والخوف، لدرجةٍ أن حذائه وجواربه بدأت تهترئ على أقدامه التي أضحت عاجزةً على حمل جسده.

وقد نشرت قناة عبرية تقريراً كشفت فيه عودة الكثير من جنود الاحتلال من القتال في غزة مُبلغيّن عن حالات إصابة في أقدامهم، على خلفية حالة الاستنفار، حيث يضطر العديد منهم إلى التواجد لساعات طويلة داخل المدرعات بنفس الملابس والجوارب ودون الخروج منها لأي غرض خشية استهداف المقاومة لهم.

ويبدو أن طول مدة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وعدم استعداد جنود الاحتلال لمجابهة هذا النوع من الحروب وما تفرضه من تحديات فاقمت من هذه الظاهرة، ممّا زاد الضغط عليه وأسفر عن تفشى سلسلة من المشكلات الصحية الأخرى، من بينها أمراض المعدة والتسمم والالتهابات الفطرية بين صفوف قواته.

ومع دخول العدوان على غزة شهره الثالث، تحدثت المستشفيات الإسرائيلية عن تفشي أنواع مختلفة من البكتيريا بين الجنود المصابين وانتشار نوع من الفطريات القاتلة، كاشفة أنه يتجدد بشكل ذاتي غامض لم تفلح معه كل المضادات التي تم جلبها من دول العالم المتخصصة في مكافحة الفطريات.

فيما اعترف مسؤولون في الكيان عن إصابة 4000 جندياً "إسرائيليّ" بإعاقات جرّاء إصاباتهم، ومن المرجح أن يصل العدد إلى 30 ألف.

وتستمر عجلة العقاب المستحق للصهاينة بطريقها، فلم تقتصر هزائمهم على الجانب الجسدي، حتى عقولهم بدأت تتآكل ونفسيتهم تضطرب، متجهين لشتّى الوسائل والطرق للتخلص ممّا يكابدوه من إحساس بالهزيمة والذلَ.

"أتخيل مراراً قذائف آر بي جي تطير فوق رأسي وأتخيل نفسي داخل الجرافة أقاتل وأشم رائحة الجثث، وإذا لم أشرب زجاجة كحول فلا أتمكن من النوم"، هذه جملةٌ نقلتها صحيفة عبرية عن الجندي الإسرائيلي "أفيخاي"، والذي يعتبر عينة تنطبق على حالات كثر من الجنود الإسرائيليين الذين أنهتكهم الحرب، وجزّتهم في صراع نفسي قاتل، مقيدة يداهم وعقولهم.

نوبات هلع، وأمراض نفسية، وإقبال متزايد على الإدمان، هذا ما آل إليه كثير من جنود "الجيش الذي لا يقهر" في الآونة الأخيرة نتيجة عدوانهم الهمجي على قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول للعام المنصرم.

في الوقت الذي يتمسك رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" باستمرار عدوانه وانتهاكاته بحقّ الشعب الفلسطيني الأعزل، يعود جنوده من ميادين القتال مصابين بقائمة من الأمراض النفسية، مقبلين بشراهة على المخدرات والمهدئات والمشروبات الكحولية، كي يتناسوا عجزهم وفشلهم الذريع والذل الذي أُلحق بهم.

وفي هذا الصدد، أوضحت صحيفة "هايوم" العبرية في تقرير لها بعنوان "التكلفة العقلية للحرب" أن أحد جنود كتيبة "لواء مظليين" الإسرائيلية هاجم زملاءه من أعضاء الكتيبة وذلك بإطلاق رشقات نارية من سلاحه الشخصي.

كان الجندي نائماً، ثم استيقظ في منتصف الليل، بعدما رأى كابوساً بأحلامه، وأخذ سلاحه وفتح النار في الغرفة، وأُصيب عدد من الجنود المتواجدين في المكان نتيجة كسر الزجاج وانتشار الشظايا بجروح، ليخضع مع زملائه فيما بعد للفحص والعلاج النفسي.

لم تكن هذه الحادثة الأولى من نوعها بين جنود الاحتلال الإسرائيلي الغاشم، فقبل أيام أدلى جندي إسرائيلي عاد من قطاع غزة باعترافات صادمة أمام جلسة في الكنيست، مؤكداً أنه "يتبوّل على نفسه ليلاً" من الرعب الذي ألحقته المقاومة الفلسطينية به، محمّلاً حكومته مسؤولية ما آل إليه.

وبحسب دراسة نشرتها صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، استخدم عدد كبير من الإسرائيليين الحبوب المنومة والحشيش والكحول والأدوية المسببة للإدمان منذ بداية العدوان المسعور على قطاع غزة، وهو ما يحمل آثاراً عقلية بعيدة المدى على الكيان الإسرائيلي المحتل، حيث ارتفع عدد متعاطي النيكوتين في صفوف الاحتلال إلى 16%، واستهلاك الكحول إلى 10%، بالإضافة إلى ارتفاع عدد متعاطي القنب إلى 5.5%.

كما شهد استخدام العقاقير الطبية التي قد تؤدي إلى الإدمان ارتفاعاً كبيراً بين صفوفه، مع زيادة استخدام المهدئات إلى 11%، والحبوب المنومة إلى 10%، و8% لصالح مسكنات الألم.

والخوف الشديد قادهم لفعل كلّ شيء وأيّ شيء في سبيل تخفيف المعاناة، فيقول الصيدليّ العبريّ "بوعاز تشاني" بأن طلبات الجنود الإسرائيليين على الوصفات للمساعدة في التخلص من القلق ومحاولة النوم لفترات متصلة بسبب عملية طوفان الأقصى شهدت ارتفاعاً بنسبة 90%، مؤكداً أن طلباتهم كانت دون وصفات طبية "روشتات"، كما ويطلب الكثيرون المكملات الغذائية لتعويض فقدان الشهية.

وفي هذا الصدد، كشفت تقارير صحفية عبرية عن إصابة نحو 500 جندي من قوات الاحتلال بصدمة الحرب واضطرابات نفسية غير مسبوقة، منذ بدء الهجوم والاعتداء المسعور على قطاع غزة، لافتةً إلى أن السلطات الصحية تلجأ إلى حقن الجنود بمواد مخدرة؛ لمساعدتهم على النوم، بسبب الآثار النفسية التي خلفتها المقاومة الفلسطينية في نفوسهم.

وهذه نتيجة طبيعية لشعب يعاني من "القلق الوجودي"، أي الإحساس السائد لدى المجتمع الإسرائيلي في الخوف من الرحيل والخسارة، لأنه إذا تحقق النصر لن يكون لهم مكان آخر للعيش في هذا العالم.

وما فاقم من حدة الوضع النفسي لدى الاحتلال، خسائرهم الكبيرة ومباغتة المقاومة لهم سواءً بالتوقيت الذي اختارته أو بالتخطيط والتكتيك الاستراتيجي لمجريات العملية، فلم يكن اجتياح المقاومة الفلسطينية غلاف غزة ومستوطناتها على امتداد 45 كيلومتراً ومشاهد الهلع والفرار الجماعي للمستوطنين وعجز الجنود الإسرائيلية مجرد معركة عسكرية رابحة فقط، فمفاعيل تلك المعركة تشير إلى تآكل بنية وجود إسرائيل من خلال هروب الإسرائيليين الكثيف إلى الخارج تحت وطأة المشاكل الداخلية العويصة أيضا ونبوءات متوارثة ومخيفة عن زوال قريب.

والعامل الأشدّ أهمية في هذا السياق هو العقيدة الضعيفة التي يستند عليها هذا الجيش الوهمي والهشّ، فالأرض ليست أرضه والمكان ليس مكانه، مقابل شعب أصيل حقيقي وصاحب حقّ وقضية، شعب ذو عقيدة ثابتة وجذور تاريخية متأصلة منذ عقود، فميزان الكيان خاسر مهما تجبّر وطغى، فمرتكزاته الهشة، الدينية والقومية، لا تعينه على الوقوف والمجابهة أمام شعب جبّار مؤمن.

 

مقالة: راما علبه – هديل حسام الدين

 

مقالات ذات صلة

داما بلاتفورم :

هي رحلة تتجاوز من خلالها الحدود التقليدية للإعلام ، منصتنا الرقمية التفاعلية تُقدم لك برامج متنوعة ومحتوى جريء يُلهم الأجيال الشابة ويستثمر في التحول الرقمي الإعلامي .

 

اكتشف معنا :

محتوى مُبتكر يُقدمه متخصصون في مختلف المجالات الإعلامية ، تجربة مستخدم فريدة تلائم تفضيلاتك.

 

لا تفوت الفرصة لتكون جزءًا من هذه المنصة الرائدة! انضم إلينا الآن وكن على تواصل مع العالم من خلال "داما بلاتفورم".