بات التفكير في شراء اللحوم الحمراء يشكّل جلطة دماغيّة للمجتمع السوري، وبمجرد قدوم مناسبة أو احتفال يصيب المواطن احتشاء قلبيّ حين يقرر أن يحسب ثمن ولو نصف كيلو دجاج فقط، متمنيّاً لو أن الموضوع بقي مجرد فكرة في دماغه.
ولأنّ لا أحد يتفوّق على السوريين بإيجاد الحلول الفعالة والسريعة، استعاضوا عن اللحوم الحمراء في الفترة الاخيرة بفول الصويا متوّهمين بأنّه بديل جيد للحمة.
ويبدو أن أحدهم سارع لاستغلال الظروف الجوية، وتسخير الأمطار لصالحه والّتي هيّات خروج الفطر وإنباته بشكلّ سريع، فكان حلاً وخياراً مناسباً للكثيرين.
ولم يكتفِ السوريون بإيجاد البديل فقط، بل وضعوا كعادتهم بصمتهم الخاصة مطلقين على غذائهم الجديد مصطلح "لحم الفقراء"، لكنّه لحم غنيّ بالبروتين وقادر على أن يحلّ مكان ما افتقدته الأسر السورية من اللحمة الحمراء والدجاج نتيجة أسعارها الجنونية، والتي باتت تزور المنازل مرّةً في العمر، إذا ما جزمنا زيارتها نهائياً.
وتتراوح أسعار الفطر "اللحم بلا عظم" ما بين 35 و50 ألف ليرة سورية، بعد أن يجنيها الفلاحون ويبيعونها للأسواق، فتتصدر القبعة الملوكية بين عدد من الخضروات، معلنةً تميّزها وصداراتها بين فئة النباتات جميعها.
وأوضح المزارع "أبو أحمد" بأن هذه السنة وبعد بدء موسم الشتاء والهطلات الغزيرة وانخفاض درجات الحرارة وحدوث الرعد، ازدادت عملية إنبات الفطر في الأراضي، مما شجع الاهالي للتهافت إلى الأماكن التي ينبت فيها الفطر، فحيثما تجد تجمّعاً كبيراً في إحدى أراضي الأرياف، اعلم بأن الكائن السحريّ قد خرج بالفعل وبحاجةٍ لاستقبال شعبيّ يليق به وبقاطفيه الّذين أنهكهم الجوع طوال الفصول الماضية.
وكما تنتظر الأم رؤية جنينها بعد مخاض أليم، هكذا السوريون ينتظرون بزوخ حبات الفطر من رحم الأرض بعد ليلة ماطرة وقاسية، فتجدهم بوجوه بشوشة في الصباح وابتسامات عريضة تزّبن شفاههم أثناء عملية البحث والتقاط الفطر.
وعلى صعيد المقارنة، فاللحوم الحمراء تتراوح مابين 200-250 ألف ليرة، وسعر كيلو الدجاج 58 ألف ليرة، دون الخوض في أسعار أجزائه المتبقية لأنها أشدّ وطأةً ممّا سبق، علماً أن هذا الكيلو يجعلك تروي حاستك الشميّة فقط يعني "شم ولا تدوق"، في حين يبلغ سعر الكيلو من الفطر نحو 25-30 ألف ليرة، ويمكن صنع ثلاث طبخات من هذا الكليو، حتى إنه من الممكن طبخه مع أنواع الخضار.
لكنّ الأمر لا يخلو من بعض المشاكل التي اعتاد السوريون أن تظهر أمامهم حين يعتقدون بأنهم نجوا، فهناك ضرورة أخذ الحيطة والحذر أثناء تناول الفطر، والتأكد بأنه صالح للاستهلاك البشري وذلك لتفادي حالات تسمم من بعض الأنواع التي تعدّ سامة.
راما علبه