أهل أول قالوا "درهم وقاية خير من قنطار علاج" وحالياً لا درهم موجود ولا وقاية ولا حتى علاج.
باتت زيارة الطبيب أشبه بكابوس حقيقي يراود السوري، فبمجرد أن يشعر بألم أو يصاب بمرض "لا قدر الله"، أعراضه ستتفاقم إذ ما تراءى لذهنه زيارة الطبيب للإطمئنان على ما تبقى "سليماً" في جسده، لأن هذه الزيارة "سترفع ضغطه" إن لم "تجلطه" مع تعرفة المعاينة الأسطورية والتي باتت ترهق كاهل المرضى.
وأفادت دراسة أجراها "السوريون المنتوفون" مؤخراً أن زيارة الطبيب أحد مسببات "الجلطة الدماغية"، وأوضحت الدراسة ذاتها أن عياداتهم باتت تفتقر "لعدادة النقود"، كما "البنوك"، بعد أن وصلت أجرة معاينة بعضهم إلى أرقام يصعب لفظها.
فبحسبة بسيطة، حين يلمع بريق فكرة مراجعة الطبيب في ذهن السوري لابد أن يفكر في كيفية تأمين أجرة المعاينة وخصوصاً إذا شملت تصوير الإيكو وتخطيط القلب وغيرها من هذه الإجراءات الطبية.
وتبدأ المعاينة بـ 30 ألف ليرة، علماً أنها تختلف حسب المنطقة وشهرة الطبيب، إضافة إلى تجهيزات العيادة، ومن المعروف أن طبيب "الأحياء الفخمة" يختلف عن طبيب "الأحياء الشعبية" رغم تشابه المعلومات الطبية، مع فوارق الخبرة، إلا أن الأول قد لا يكون بخبرة الثاني.
هذا ولم نخطو خطانا نحو تكلفة "راشيتة" الأدوية والتحاليل، خوفاً من إصابتك "بمتلازمة ما بعد الصدمة".
ويعزو البعض ارتفاع تعرفة زيارة الأطباء وعدم وجود ضوابط واضحة لتحديدها، إلى الظروف الصعبة التي يواجهها الأطباء أنفسهم نتيجة الالتزامات المالية المترتبة عليهم كالضرائب وتكاليف تشغيل العيادات، ما يدفعهم لإهمال قدرة المرضى على تحمل تلك التكاليف عند وضع التعرفة، على الرغم من أن الهدف الأسمى للطبيب دوماً هو تقديم العلاج والرعاية الصحية بغض النظر عن العائد المادي ولكن "يا سيدي مين سائل عن التاني به الأيام!".
ومن المشاع أن المسؤول عن إصدار تعرفة الأطباء هي وزارة الصحة، والنقابة ليست معنية بإصدارها كما يعتقد الكثيرون، فيما تسمح الوزارة للمواطنين بالشكوى في حال كانت تكلفة التشخيص عالية، ولكن يبقى السؤال المهم هو كيف يعرف المواطن أن التكلفة عالية في حال لم تحددها وزارة الصحة!! هل تعتمد على المواطن "يلقطها عالطاير".
وبالتزامن مع الغلاء المعيشي وارتفاع كشفية اﻷطباء، أعرض السوريون عن زيارة العيادات الخاصة وتوجهوا إلى المستوصفات والمشافي العامة، وباتت عدّة حالات مرضية تتوجه للصيدلاني لوصف الدواء فأصبح الصيدلاني بالنسبة للمواطن السوري "المعتر" ملاك الرحمة في مقابل جشع أطباء العيادات.
واللافت أن المستوصفات الطبية وحتى عيادات المشافي، ومعظمها يتبع للقطاع العام، تفتقر عادة إلى المستلزمات الطبية للعلاج، كافتقار العيادات السنية إلى مادة "المخدر"، إضافة لعدم توفر الكثير من التحاليل المخبرية، كما أنها مزدحمة بالمواعيد وأعداد المرضى وخاصة عيادات الأطفال.
وقد يضطر المريض أن يؤجل عمليته لأشهر انتظاراً لدوره بحكم تزايد الضغط والازدحام لدى المستشفيات العامة، ناهيك عن قلة الأطباء الإخصائيين والذي هاجر عدد كبير منهم تاركاً وراءه مواطنين يصارعون الأمراض والعلل كلّ يوم.
ويقدر عدد الأطباء في سوريا المسجلين لدى النقابة بثلاثين ألف طبيب من اختصاصات مختلفة، ولا يوجد رقم لعدد المغادرين منهم خلال العام الأخير.
هديل حسام الدين