استعدوا لمغامرة مثيرة في عالم الموضة الشتوية، أيّها المواطنون! فقد حان وقت قوانين الجاذبية السعرية في الأسواق السورية، ودفع ضريبة الدفء في فصل الشتاء.
يبدو أن الشتاء في سورية أصبح فصلاً للرجال ذوي الجيوب العميقة فقط، فالمعاطف الفاخرة تزيد من قيمتها بمجرد لمسها بأصابعنا المجمدة، والجينزات تشعرنا بأننا ندفع ثمناً باهظاً لكل زخة ثلج تتساقط من السماء.
حلّقت أسعار “الجينزات” في سماء الأسواق السورية بشكل غير مسبوق، حيث سجل سعر البنطال الجينز أكثر من راتب الموظف، بحسب ما أوضحه عدد من الأهالي.
وتبدأ أسعار الجينزات من 200 ألف للنوع الوسط وصولاً إلى 350 ألف للنوع الجيد " كتان وطني"، أما التركي الموجود في الأسواق والّذي "إله ناسه"، فسجل 500 ألف ل.س، تلك الأرقام الجافّة والإحصائيات الباردة تكفي لترسم صورة قاتمة عن الواقع الذي يعيشه السّوريون.
حتّى الجينزات الولاديّة لم تسلم من هذه الموجة، فيبدأ سعرها من 95-100 ألف وحتى 175 ألف ليرة وأحياناً أكثر حسب الجودة والقماش والموديل.
تعكس هذه القصة المريرة لارتفاع أسعار الجينزات حالةً من الاستغراب والانزعاج في أروقة الأسواق، فقد انقلبت المعادلة الاقتصادية الّتي كان يعتمد عليها الناس لسنوات طويلة، وانهارت الأماني بالعثور على قطعة جينز بأسعار مقبولة.
فبحسب أصحاب المتاجر، إنّ الإقبال على شراء الجينز ضعيف جداً ولا أحد يشتري إلّا في المناسبات فسعر البنطال بات يعادل راتب شهر وأكثر، أن أي عائلة لديها 4 أولاد تحتاج إلى مليون ليرة لشراء أربعة بناطيل نوعية جيدة.
ومن المفارقات الساخرة، أنّ بظلّ هذه الأسعار التي لا تناسب ذوي الدخل المحدود أبداً، كان ملاذهم الوحيد "البالة" الّتي صارت أسعارها تقارب الجديد والفرق الوحيد إنها "أجنبية"، بمعنى "جبناك ياعبد المعين لتعين"، لكنّ ما يبدو جليّاً أن لاشيء هنا يريد أن يعين أو يسهّل حياة المواطن.
وفي السياق ذاته وبحسب رئيس الجمعية الحرفية للخياطين توفيق الحاج علي، فإن مصدر القماش الذي يصنع منه بنطال الجينز هو حلبي والصباغ أيضاً حلبي، وعن سبب ارتفاع أسعار الجينز، بيّن الحاج علي أن كلفة تصنيعه ارتفعت لأكثر من الضعف فما بين صباغ وخياطة "يد عاملة" وإكسسوارت إضافية تضاف للبنطال ترتفع الكلفة؛ إضافةً إلى أجور النقل بين المحافظات، لذلك فإن المستهلك هو الوحيد الذي يدفع ضريبة ذلك فهو يشعر بغلاء القطعة لأنه يدفع كل هذه التكاليف مجتمعة.
وأضاف الحاج علي أن الجينز الذي يباع في الأسواق "كتان وطني" والخيوط صناعة حلبية ولا يوجد مستورد وإن وجد فيكون جاء عن طريق التهريب.
وختم رئيس الجمعية الحرفية للخياطين كلامه قائلاً: "تختلف الأسعار حسب الموديل والقماش والإكسسوارات الداخلة في خياطة القطعة ونوعية الأزرار والسحاب سواء كان بلاستيكي أو نحاسي، وتبدأ من 90 ألف للبنطال العادي وترتفع حسب القماش والجودة العالية وثبات اللون وكل شخص يشتري بحسب إمكاناته المادية".
وتجدر الإشارة إلى أن أسعار الألبسة الشتوية عموماً شهدت مؤخراً ارتفاعاً ملحوظاً، ليصل سعر المعطف الشتوي ذي النوعية الجيدة نوعاً ما إلى نصف مليون ل.س.
لتتحوّل "جينزاتك" إلى كنز مدفون في جبل مصون بحراسة مشددة، وبات الدفاع عن "البنطال" مثل الدفاع عن البلد من عدوّ غاشم يحاول الاستيلاء عليه، فالوقت غير ملائم للتفريط به، بينما حسابك المصرفي "الجيبي" يطلب الرحمة.
الأمر ليس سهلاً على الإطلاق، هذه الأسعار حقاً تجعلنا نتساءل إن كانت "الجينزات" تصنع من ذهب أم من خيوط العنكبوت الفضية النادرة، فتظنّ نفسك للوهلة الأولى عند سماع تلك الأرقام المريعة بأنك تشتري قطعة أثرية من متحف للأزياء القديمة.
راما علبه