مقالات متنوعة

الساعة الكهربائية

post-img

لم يألف السوريون العتمة في قلوبهم ونفسياتهم فحسب، بل اعتادوها في أحيائهم ومنازلهم الموحشة الّتي يكبّلها الظلام الدامس لساعات طوال، حتّى يأتي فرج الله.
ساعةٌ تخترقهم اختراقاً دون التفات لما تخلّفه بهم ، فكلّ شيء يحتاج إلى الكهرباء، حتّى التي تخضّ اللبن في الريف لاستخراج لقمة عيشها منه تحتاج الكهرباء، والساعة لا تكفي لابتسامة عريضة أو حتى تثاؤب طويل.
يدخل السوريون كلّ يوم في عراك مع الزمن، مع بطولةٍ تحتاج إلى أجسام تحتملها، يراقبون إذا ماكانت المياه متدفقة لتغسل الثياب التي لطالما انتظرت في جوف الغسالة.
وغذاءٌ لذيذ اشتهته العائلة ، والكهرباء هي السبيل لصنعه، بعد أن اغترب الغاز عن كثير من البيوت السورية، علاوةً على "الليد" الذي يحتاج لأن يُشحن ليؤنس المواطن حين تغيب الأنوار عن منزله.
يتسابقون فيما بينهم لإمداد جوال صغير بالقليل من الطاقة، ولو قُدّر له الحصول على 12% من الشحن فقط، لكنّه يفي بالغرض عندما يغادر الضوء فجأةً دون "إحم ولا دستور"، ليرون الطريق إلى السرير فقط لا أكثر، لأنّ غالباً يومهم انتهى هنا.
هذا حال السوريين الذين يدخلون صراع ساعة الوصل، محاولين إنهاء مهامهم قبل ثماني ساعات ستخيّم فوق رؤوسهم دون كلل أو ملل.

الأزمة فاقمت المشكلة:
حين نسأل نجاب، بأن هذه مخصصات دمشق من الكهرباء بسبب نقص التوريدات النفطية وأعطال محطات التوليد ونقص الغاز اللازم للتشغيل.
في الحقيقة، إن مشكلة الكهرباء في سورية ليست جديدة، لكنّها لم تكن يوماً كارثية كما باتت في ما بعد الحرب على سورية، والتي أدت إلى نهب النفط والسيطرة عليه من مجموعات إرهابية تديرها أميركا، وتدمير جزءاً آخر منه، الأمر الذي أدى إلى تراجع نشاط مجموعات توليد الطاقة الكهربائية، في ظلّ شح مواد كالغاز والفيول، والّتي بدورها تتعّرض للنهب أحياناً من قوات تركية وامريكية محتلة.
فالقوات الأمريكية والتي تسيطر على القسم الأكبر من الأراضي التي تضم حوامل الطاقة في شمال شرق سوريا، هي سبب معاناة الشعب السوري، وهي سبب واقع الكهرباء الكارثيّ.
وبحسب تصريحات سابقة لوزير الكهرباء المهندس غسان الزامل أن سورية تحتاج إلى ستة آلاف ميجاواط على الأقل، لكن تحسّن الكهرباء يرتبط، بتوفر حوامل الطاقة وجاهزية محطات التوليد معاً، إضافة إلى جاهزية شبكات النقل.

ابتكار يولد من رحم المعاناة:
أجبرت فطرة التأقلم لدى السوريّين على ابتكار أساليبهم الخاصة لمحاربة الظلام بشتّى الطرق والوسائل، ففي خضم هذا الواقع المأساوي تهافتت الكثير من الأسرّ السورية للاشتراك في الأمبيرات لتشغيل بعض الأجهزة الضرورية بالنسبة لهم.
فتقول فاديا من "صحنايا" بأن حجم 2 أمبير يشعل الإنارة والبراد في منزلها، وفي حال أرادت تشغيل الغسالة بين حين وآخر، عليها فصل البراد عن الطاقة.
أمّا بالنسبة لمحمد والذي يقطن في منطقة "الصناعة" يرى أن الخيار الأفضل في الوضع الراهن تركيب لوح طاقة شمسية.
ولعلّ استخدام المولدات باهظة الثمن هو الحل الأبرز لكثير من السوريين لتوليد الطاقة وإنارة منازلهم وأدواتهم الكهربائية الّتي كادت تتعطل.
حيث اتجه قسم ليس بقليل من السوريين لاستخدام بطارية السيارة لتوليد الطاقة، خصوصاً من لا يملك ثمن المولدة الباهظ، فكانت البطارية خيارهم الاول لتوليد كمية محدودة من الكهرباء كونها لا تتطلب أي عبء اقصادي كونها تعتمد على مبدأ الشحن والتفريغ.
أمّا الفئة الّتي بالكاد تملك ثمن رغيف الخبز، لا تجد سوى الشمع وسيلةً مناسبة لإكمال يومها السوداويّ، فتذوب الشمعة على دموعهم لتتحوّل إلى سهرة مفعمّة بالأنين والأوجاع، فاختصاص الشموع في سورية مختلف كثيراً عن الفكرة السائدة، هنا لا نملك وقتاً للرومانسية إلا بحال كان صاحب البلية يحمل سبيلاً من تفاؤل أو إذا كان من برج السرطان.

مشكلة تولّد مشكلة:
إن أزمة الانقطاع هذه ألقت بظلالها على معيشة المواطنين اليومية بثقل كبير، لتغدو أحد أسباب الارتفاع الجنوني للأسعار، نتيجة انخفاض الإنتاج وتوقيف الورش والمنشآت الصناعية عن العمل، مما يجبرهم على توليد الكهرباء بوسائل بدائية قائمة على مولدات ترهق وقودها جيوب أصحاب النشاط الاقتصادي وزبائنهم، وتسبب تلوّثاً سمعيّاً ويصريّاً للسكان.
ولم يسلم القطاع الزراعي أيضاً من تبعاتها، خاصة مع فقدان المحروقات المرافق لغياب الكهرباء، ما  حرم المزارعين من ادوات الري الأساسية.
"العصر الحجري"، تماماً هذا خير تعبير عمّا يكابدوه السوريون اليوم، حتى الطلاب كان لهم حصة من تلك المعاناة، بالتزامن مع موسم الامتحانات، فيضطرون للنوم ليلاً والاستيقاظ مع إشراق الشمس بغية ضمان إنجاز مقرراتهم.
نحن لا نطمح إلى أن تكون بيوتنا كبيوت من أنعم الله عليهم كثيراً!
بل كلّ ما يريده السوريون بأن تكون الكهرباء ساعتين بساعتين ليستطيعوا العيش في الحياة بشكلّ طبيعيّ دون صراع أو عراك، دون ترّقب الوقت وحسبانه "اجت أو انقطعت "

راما علبه

مقالات ذات صلة

داما بلاتفورم :

هي رحلة تتجاوز من خلالها الحدود التقليدية للإعلام ، منصتنا الرقمية التفاعلية تُقدم لك برامج متنوعة ومحتوى جريء يُلهم الأجيال الشابة ويستثمر في التحول الرقمي الإعلامي .

 

اكتشف معنا :

محتوى مُبتكر يُقدمه متخصصون في مختلف المجالات الإعلامية ، تجربة مستخدم فريدة تلائم تفضيلاتك.

 

لا تفوت الفرصة لتكون جزءًا من هذه المنصة الرائدة! انضم إلينا الآن وكن على تواصل مع العالم من خلال "داما بلاتفورم".