في الأزقة الضيقة والشوارع المتعرجة، يتراصّ البيوت القديمة بتصاميمها العربية الأصيلة، كالمجوهرات المنثورة في الحجر، وراء تلك الجدران الملتحمة حكايا في أوقات مضت، مجتمع يعيش على أنفاس الحنين والروحانية.
لكن تلك القصص بدأت تتلاشى ببطء، أصبح الحلم بالمكان الخاص والمأوى الدافئ الّذي يحتضن الاحلام ويحمي العائلة مهدداً بالزوال، فأصبحت الأجور المرتفعة تعصف بالأحلام وتقتل طموحات الكثير من السوريين، ممّا يجعل العديد من السكان يتساءلون عن مصيرهم ومقدار الوقت الذي ستستمر فيه البيوت الشاهقة الأسعار في قمعهم.
وصلت قيم الإيجارات في دمشق إلى مبالغ خيالية سيما في أماكن المخالفات والعشوائيات التي كانت يوماً ما ملاذ شبه آمن للفقراء وذوي الدخل المحدود.
والأمر الذي زاد الطين بلة هو تقاضي أصحاب المكاتب العقارية لمبالغ تماثل قيمة إيجار العقار ذاته لمدة شهر مع طلب مبلغ تأمين يصل لنصف القيمة، علماً أن أقل قيمة إيجار عقار تتراوح بين 400 ـ 500 ألف ليرة سورية، وهي لغرف لا ترى الشمس وتأكلها العفونة والرطوبة.
في المزة 86 ، وصل إيجار الغرفة “غير المفروشة” والتي لا تدخلها أشعة الشمس، لنحو 500 ألف ليرة سورية، مع “كمسيون أو عمولة” مكتب 500 ألف ومبلغ تأمين 250 ألف ليرة سورية ليصبح المبلغ المترتب دفعه على المستأجر مليون وربع المليون ليرة سورية ليقطن بهذه الغرفة أول مرة.
أما فيما يخص الشقق، فبلغ إيجار الشقة الفارغة -وسطياً غرفة وصالون- مليون ليرة سورية وعمولة مليون أيضاً مع مبلغ تأمين 400 ألف ليرة سورية لتصبح قيمة المبلغ المطلوب دفعه 2 مليون و 400 ألف ليرة، في حين إيجار الشقة ذاتها في حال كانت مفروشة يبلغ مليون و250 ألف ليرة سورية أو مليون ونصف، مع عمولة مكتب بذات القيمة وتأمين نصف القيمة الأجرة، مع الإشارة إلى أن مؤجري هذه الشقق أو الغرف المفروشة يشترطون تأجير إناث حصراً .
وفي ركن الدين تبلغ أجرة الغرفة المفروشة 800 ألف ليرة سورية، ومع إضافة العمولة تتضاعف الأجرة، لكن بالمجمل فإن الرقم المطلوب لاستلام الغرفة يصل لمليون ونصف تقريباً.
أما في جرمانا فيبلغ أقل إيجار لغرفة مع فرش نحو 600 ألف ليرة سورية، و300 ألف في حال كانت طابقية (طابق خامس مثلاً)، من دون فرش.
بالمقابل، وصلت أجرة شقة مكونة من غرفتين وصالون مع المنتفعات خلف أوتوستراد المزة، بنصف فرش، لنحو مليون ليرة سورية، بينما أجرة شقة مع صالون 800 ألف ليرة سورية، ما يعني أن إيجارات مناطق المخالفات تقارب إيجارات المناطق المنظمة، مع الإشارة إلى أن هذه الأسعار وسطية فبعضها قد يكون أعلى وأقل بكثير كون الأسعار تتحدد حسب قرب العقار من الشارع.
وبحسب الباحث والخبير الاقتصادي د. محمد الجلالي إن السبب في تفاوت الإيجارات بسوريا يعود لغياب ضبط وتنظيم السوق العقارية في البلاد، إذ أنه في أغلب البلاد توجد شركات متخصصة ببناء المساكن الخاصة بالتأجير بحيث يتم ضبط السوق بطريقة علمية واقتصادية بحتة.
وأشار الجلالي إلى أن هناك نسبة معينة من عقود الإيجار تحكمها أمور أخرى كوجود صلات قرابة أو أن بعض العقود تكون قديمة ولم يحن تجديدها بعد، بالإضافة إلى أن ارتفاع أجور النقل بين الريف والمدينة زاد من الضغط على المدينة الأمر الذي رفع من أجور العقارات فيها.