أطفال ضاقت عليهم رحاب الدنيا فقرعوا باب أحلامهم لتخرج لهم صورة جديدة للحياة تجدد آمالهم وتعضد همتهم.
عندما تردد في الشدة الكلمات التي توحي أن فرجاً سيأتي، فالمبتلى يحلم بالفرج ويدغدغ قلبه كل كلمة تجعله يتخيل السعادة القادمة والبهجة التي ستعقب ظلام الحزن والأسى، إذ عند دخولهم للدار، يحاولون أن يستأنفون حياتهم، بعد وقوع أحداث نهاية العالم دون أن ينتهي بعد، معتقدين أنها البداية الجديدة، فيعلقون أحلامهم الصغيرة على أعتاب هذه الدار، لكن واقعهم الحالي يضيق ساحة حلمهم متأثرين به.
من أتحدث عنهم الآن هم الأطفال المستولون اللذين كتب لهم "حياة جديدة" أو ما يعتقد بأنها كذلك عند دخولهم لدار التسول في منطقة الكسوة بريف دمشق.
لكن الخيبة تسللت إلى أجسادهم الصغيرة، في كل مرة يعودون خاليّ الوفاض، خائبيّ الرجاء، لكنهم لم يبتئسوا.
تراجعت الحالة الصحية للأطفال الموجودين في دار التسول بعد انسحاب النقطة الطبية التابعة لمنظمة الهلال الأحمر السوري دون أي سبب معلن، الأمر الذي مثل عائقاً كبيراً للحصول على العلاج المناسب للأطفال الموجودين، وتفاقمت حالات الأمراض النفسية والذهنية والجسدية، لأن النقطة الطبية كانت مسؤولة عن فحصهم وتقديم الدواء إضافة إلى الإشراف على صحتهم النفسية.
وما فاقم من معاناتهم أن المساعدات التي ترسل لهم وبقدرة عجيبة "تختفي"، إذ قدمت جمعيات كميات من الملابس للدار-لا تتناسب مع الأعمار الموجودة، وأغلبيتها بحالة جيدة- لكنها اختفت وبقي الأطفال دون ملابس شتوية تقيهم من بطش الشتاء.
ويبلغ عدد الأطفال الموجودين في الدار 43 طفل، يعانون من شح في الأغذية، مع العلم أن الدار يتم دعمها من قبل جمعية الكسوة الخيرية وجمعيات أخرى متواجدة في المنطقة ومحيطها، بإشراف مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل بريف دمشق، ولكن الدعم يكون بكميات قليلة فعلى سبيل المثال يتم جلب 30 وجبة طعام فقط أو ترسل بعض الأغذية مثل (اللبنة، الجبنة، المربيات)، والعدد الموجود في الدار أكثر من ذلك وبهذه الحالة يتم تأمين القليل من البرغل والخبز لإطعام من لم يتم تقديم وجبة له، هناك صعوبة كبيرة في تأمين الطعام للأطفال.
المعاناة لا تتوقف هنا، بل لا توجد في الدار تدفئة مناسبة بسبب عدم توفر المازوت أو شوفاجات، إذ توجد مدافئ كهربائية تحوي "شمعة واحدة" معلقة على جدار الغرف، فيما يعتمد الدار على خط كهربائي صناعي ما يعني توفر الكهرباء من الأحد إلى الخميس صباحاً، ومن الخميس ظهراً إلى يوم الأحد تغيب الكهرباء عنه ويبقى الأطفال على العتم ومن دون تدفئة.
يستقبل دار التسول الأطفال من جميع الأعمار، إذ يتم جمع الحالات من الحدائق والشوارع، والبعض منهم أسرهم تخلت عنهم بسبب الظروف المعيشية الصعبة وعدم قدرتهم على تحمل نفقاتهم المادية.
ومن بين ال 43 طفل من نزلاء الدار، 12 حالة مرضية "تخلف ذهني"، وتتم الإشراف عليهم من قبل مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل في ريف دمشق بالتعاون مع منظمات غير حكومية ومؤسسات خيرية مثل جمعية "تنظيم الأسرة وبيارق الخير" والكثير من الجمعيات، لدعمها من حيث الطعام والملابس والرعاية الصحية بالإضافة إلى أنه تتم إقامة ورشات مهنية لتعليم الأطفال.
وهو مسؤول عن رعاية الأطفال المتسولين فقط، ولا علاقة له بمعالجة الحالات المرضية المتواجدة فيه، إذ يتم التواصل مع هيئة ابن سينا لسحب هذه الحالات ورعايتها في مركزهم طبياً.
فيما يتم التعاون مع مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل بريف دمشق، وإرسال فريق طبي كامل بشكل أسبوعي إلى الدار، للكشف عن الحالات المرضية ومعالجتها، وصرف الدواء اللازم لكل حالة، وفي حال وجود حالات إسعافية يتم التواصل مباشرة مع مديرة الشؤون الإجتماعية، وإرسال سيارة إسعاف لنقل المريض إلى المستشفى.
ويجدر الذكر أن معهد التسول "دار التسول" يستقبل المتسوليين ويأهلهم ويعلمهم مهنة جديدة.